بين الدعاية الإعلامية وبين التخطيط الفعلي لتحرير مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» منذ أكثر من ثمانية شهور، تعددت ساعات الصفر، وتضاربت التوقعات، وبدا التضارب مبرراً لدى بعض الأوساط السياسية العراقية والأميركية، التي ترى ضرورة «إرباك» التنظيم قبل الهجوم عليه.
وعلى رغم أن المعلومات المتوافرة عن الاستعدادات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لتحرير الموصل تبدو غير منسجمة مع تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين حددوا موعداً لبدء العملية مع حلول أيار (مايو)، ما استدعى انتقادات وجهها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، فإن ما يمكن تأكيده من خلال مسؤولين عسكريين عراقيين، هو تعامل الولايات المتحدة مع الموصل بشكل منفصل عن بقية المدن التي تقع ضمن سيطرة التنظيم، أبرزها تكريت والأنبار.
وعلى رغم أن المنسق الأميركي للتحالف الجنرال جون آلن، أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) أن بدء عملية الموصل يحتاج إلى نحو عام، كشف مسؤول في القيادة الوسطى للجيش الأميركي الأسبوع الماضي، عن رغبة بلاده في شن القوات العراقية هذه العملية في نيسان (أبريل) أو أيار. وعلل المسؤول هذا المدى الزمني باستباق حلول شهر رمضان في حزيران (يونيو)، وبدء فصل الصيف شديد الحرارة في العراق، معتبراً أنه بعد ذلك «ستكون هناك صعوبة في شن الهجوم».
ولاقت هذه التصريحات انتقادات وزير الدفاع العراقي، الذي قال في مؤتمر صحافي الأحد إن «المسؤول العسكري من المفترض ألا يكشف عن موعد الهجوم»، معتبراً الأمر «من أسرار» العسكريين. وجزم أن «معركة الموصل وأي معركة أخرى تبدأ عندما تكتمل المستلزمات ومتطلبات المعركة، واختيار الوقت هذا يعود الى القادة (العراقيين)».
ويبدو أن نمط تفكير وزير الدفاع الذي يتحفظ عن ذكر التوقيت منفصل بدوره عن تصريحات سبق وأدلى بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي، قال فيها إن تحرير مدينة تكريت سيتم خلال اقل من شهر واحد.
كما أن الأسبوعين الأخيرين شهدا تأكيد مسؤولين في «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل شيعية مسلحة حول تحديد ساعة صفر لتحرير مدينة تكريت. ويطرح مسؤولون عراقيون وإعلاميون نظرية لتلك الإعلانات تهدف إلى «الحرب النفسية» و «حض المدنيين على مغادرة المدن». ولا يمكن الجزم بعجز تنظيم «داعش» عن تحديد طبيعة التحضيرات العسكرية التي تجري لمواجهته خصوصاً في الموصل، حيث لا تزال الاستعدادات لتشكيل قوة عسكرية من أهالي الموصل أنفسهم في بداياتها حسب مطلعين، ما ينفيه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي الذي نشر في حسابه على «فايسبوك»، صورة لتخرج فوج من قوة تحرير الموصل، وعلق بالقول إن الاستعدادات في طريقها إلى الاكتمال.
وخلال الأسابيع الماضية شن تنظيم «داعش» سلسلة من العمليات في الأنبار وصلاح الدين وكركوك، لإرباك الجبهات التي تتشكل لقتاله وفتح المعركة على مناطق جديدة، ما يشغل، وفق المعنيين، المزيد من القوات العسكرية في بؤر صراع على بلدات غير أساسية. ويتفق رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي مع الآراء التي تعتقد أن معركة الموصل تحتاج إلى وقت أطول. ونقلت وكالة «فرانس برس» عنه، أن الأمر «بحاجة إلى وقت أكثر (...) ربما قبل نهاية السنة»، و «الجيش بحاجة إلى تدريب أكثر ومعدات وأسلحة ليستطيع أن يقوم بذلك». ثمة صراع أولويات حين يتعلق الأمر بنوع المدن التي يجب أن تكون هدف الهجوم الأول. فمدينة مثل الفلوجة التي احتلها تنظيم «داعش» قبل ستة شهور من احتلال الموصل، تبدو خارج أولويات الحرب الدولية على التنظيم، على رغم أنها تقع على حدود بغداد، فيما يوسع التنظيم نفوذه في محافظة الأنبار، انطلاقاً من الفلوجة والقائم على الحدود السورية. ويعود تضارب الأولويات إلى قوة التنسيق الذي تقوم به قيادات التحالف الدولي مع إقليم كردستان ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، مقارنة بأجواء من الشكوك ما زالت تسود العلاقة مع القوة الشيعية الرئيسية الموجودة على الأرض اليوم، وهي «الحشد الشعبي».
وتصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة اتهامات قيادات رئيسة في «الحشد الشعبي» مثل قيس الخزعلي وهادي العامري، للولايات المتحدة بإلقاء مساعدات عسكرية الى «داعش»، وكللت بحديث مشابه أدلى به المرشد الإيراني علي خامنئي. ووفق مصادر عسكرية عراقية رفيعة، فإن تحرير الموصل قد لا يكون مفيداً على المستوى الاستراتيجي من دون تحرير الأنبار التي تشكل مدخلاً أساسياً لنشاط التنظيمات المتطرفة منذ سنوات وترتبط بمجال جغرافي مفتوح مع مناطق نفوذ التنظيم في سورية.
لكن حرب الموصل تبدو «نموذجية» لدى القيادات الأميركية بسبب التعقيدات المصاحبة لتعامل التحالف الدولي مع «الحشد الشعبي» مقارنة بتعاملها مع «البيشمركة الكردية»، وربما كان ذلك مبرراً لإعلان واشنطن توقيتات متسرعة لمعركة الموصل، قبل التراجع عنها على لسان وزير الدفاع آشتون كارتر، الذي قال للصحافيين من الكويت قبل يومين إنه لن يُعلن توقيتات معركة الموصل حتى لو كان يملكها. على الأرض، ما زال الجدل حول اشتراك قوات أميركية برية محدودة في المعركة ضد «داعش» مستمراً، وتكرر بغداد رفضها التدخل البري، ومن المرجح أن وجود مثل هذه القوة برفقة قوات البيشمركة سيكون متاحاً في معركة الموصل مقارنة بالأنبار أو تكريت. وفي بغداد استهدف تفجير مزدوج الاطراف الجنوبية الشرقية للعاصمة وأوقع 22 قتيلاً على الاقل، اضافة الى 43 جريحا.