موجة من الجدل تشهدها الساحة السياسية في الولايات المتحدة إثر تجنب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وإدارته استخدام عبارات مثل «التطرف الإسلامي» و«الإرهاب الإسلامي»، حيث اتهم منتقدون سياسيون، جمهوريون بالأساس، البيت الأبيض بأنه «نأى بنفسه» عن ربط التطرف بالدين الإسلامي، ولاسيما بعد الهجمات التي نفذها متشددون يدينون بالإسلام في الآونة الأخيرة في باريس وكوبنهاجن وفي ظل هجوم عسكري ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، فيما رأى مسؤولون من إدارة أوباما ومحللون سياسيون أن استراتيجية الرئيس الأمريكي، في هذا الصدد، لها ما يبررها.

 

 

وحرص أوباما وإدارته على عدم الحديث البتة، خلال قمة عالمية عُقدت مؤخرًا في واشنطن تحت عنوان «محاربة التطرف العنيف»، عن مكافحة «التشدد الإسلامي»، في تحفظٍ لغوي أخذته عليه المعارضة الجمهورية.

 

 

وندد أوباما، في كلمة له خلال القمة، بـ«الفكرة القائلة بأن الغرب في حرب مع الإسلام» ووصفها بـ«كذبة رهيبة»، وجدد الرئيس الأمريكي، الذي دشن ولايته الرئاسية في 2009 بخطاب شهير في القاهرة مد خلاله يده للعالم الإسلامي، مناشدة المجتمع الدولي محاربة التطرف، لكن خصمه السياسي الجمهوري، جون ماكين، كتب في تغريدة على موقع «تويتر» إن «فكرة أن الإسلام الراديكالي ليس في حالة حرب مع الغرب كذبة رهيبة»، رافضًا عبارة أوباما.

 

 

من جهته، فضل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إدراج مكافحة «الإرهاب»، وخصوصًا الإسلامي في إطار أوسع، بقوله إن «القرن العشرين يعرف بمكافحة الانهيار الاقتصادي الكبير والعبودية والفاشية والاستبداد.

 

 

الآن جاء دورنا (...) يطلب منا اليوم خوض حرب جديدة ضد عدو جديد».وتحدث عن «معركة أساسية لجيلنا».

 

 

وجاء في مقدمة معسكر المنتقدين لأوباما، بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأسبق أحد أركان الإدارة الأمريكية بحقبة الرئيس السابق الجمهوري، جورج بوش، المستشار الحالي لشؤون السياسة الخارجية لشقيقه جيب، المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية في 2016، إذ رأى أن نفي وجود صلة بين الإسلام ومشكلة الإرهاب «أمر خاطئ».

 

 

وقال وولفويتز لشبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية، الثلاثاء،: «أتفهم بعض الشيء دوافعه (أوباما) للقيام بذلك، فهو لا يريد منح المسلمين المتطرفين فرصة الهيمنة على هوية العالم الإسلامي، ولكنني أظن أن الادعاء بعدم وجود صلة للإسلام بالمشكلة القائمة هو أيضا أمر خاطئ».

 

 

وتابع: «علينا أن نقول إننا نتعامل مع أفكار تسلطية تستغل الإسلام، خاصة وأن العديد من أصدقائنا وحلفائنا في الحرب ضد هذه الأيديولوجيات هم من المسلمين أيضًا.. الناس تدرك بأن الإسلام مرتبط بشكل ما بالأمر الذي نحاربه هنا، وعندما ننكر ذلك نخسر بعض الدعم والتفهم من الشعب الأمريكي».

 

 

وفي مقال له في صحيفة «واشنطن تايمز»، ذات الميول اليمينية، انتقد الكاتب الأمريكي، روبرت نايت، الاثنين، مسؤولين أمريكيين بسبب عدم ربطهم بين «التطرف» والإسلام، وخص كيري بالذكر، موضحًا أنه استخدم كلمة «التطرف» دون أن يأتي على ذكر الإسلام، كما انتقد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، وولتر ريتش، الرئيس الأمريكي لـ«تفاديه تسمية الأمور بأسمائها»، بحسب تعبيره.

 

 

وقال في مقال نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، الأحد، إن «أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التوجه وتلك اللغة الحذرة هو رغبة إدارة أوباما في تكوين ما تعتقد أنه سيكون ارتباطًا مع إيران»، داعيًا الرئيس الأمريكي إلى أن «يكون واضحًا، وأن يقول إنها حرب على العنف السياسي الإسلامي الذي تغذيه دولة لا تكتفي بدعم الإرهاب ومعاداة السامية لإحداث أذى لا يُحصى، وإنما تستثير سباق تسلح نووي في أكثر أجزاء العالم اضطرابًا»، في إشارة إلى إيران.

 

 

ومن ناحيته، ندد الكوميدي الأمريكي الساخر، بيل ماهر، في مقابلة معه ببرنامج «الوقت الفعلي»، الأحد، بلغة أوباما الحذرة، وقال مستنكرًا: «ألا يمكننا القول على الأقل بأن هناك عددًا من العوامل، وأن الدين بكل تأكيد هو أحدها؟»، في إشارة إلى الأسباب التي تغذي التطرف من وجهة نظره.

 

 

وعلى الجانب الآخر، دعا وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، الاثنين، إلى «عدم تعميم العالم الإسلامي» في مسألة التطرف، وقال أثناء زيارة للكويت: «من الضروري الحذر والتمييز.. والنقطة التي قالها الرئيس تعتبر منطقية جدًا»، في إشارة إلى رفض أوباما لفكرة أن الغرب في حرب مع الإسلام.

 

 

كما أكد وزير الأمن الداخلي الأمريكى، جى جونسون، الاثنين، أنه لا يروق له أن يُعطي تنظيم «داعش» مزيدُا من «الكرامة التي لا يستحقها» بتصنيفه على أنه ذي «أيديولوجية مسلمة»، وقال في تصريح بثته صحيفة «ذا هيل» الأمريكية إن «التهديد الإرهابي الخارجي يتطلب نهجًا عسكريًا، ولكن مشاركة المجتمعات الإسلامية في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخري أمر مهم أيضًا».

 

 

واعتبر المحلل السياسي مقدم برنامج (GPS) على شبكة «سي إن إن»، فريد زكريا، أن هناك أسبابًا استراتيجية وراء امتناع أوباما عن تسمية «داعش» بـ«المسلمين المتشددين»، رغم تصريحات المنتقدين لسياسته بأنه «لا يمكنك قتال عدو لا يمكنك تسميته».

 

 

وقال زكريا، الاثنين: «الرئيس الأمريكي تعمد عدم وضع إطار ديني في وصفه لداعش لأسباب سياسية واستراتيجية.. ما الآثار المترتبة على مثل هذا الوصف؟ هل سيلقي الغرب المزيد من القنابل على التنظيم؟ بالطبع لا ولكن سيدفع بالعديد من المسلمين للشعور بأنه تم توصيف دينهم بصورة غير عادلة، إلى جانب تأثير ذلك على الزعماء الذين قالوا بأن داعش لا يمثل الإسلام».

 

 

وألقى زكريا الضوء على من يقول بأن «داعش» هم الإسلام، حيث قال: «هناك 1.6 مليار مسلم في العالم مقابل نحو 30 ألف عضو في داعش، هل هذا يعني أن 0.0019% من المسلمين هم من يُعرفون هذه الديانة؟».

 

 

ومن ناحيته، قال بيل برانيف، المدير السابق لمجموعة دراسات الإرهاب لدى جامعة ماريلاند، إن عدم استخدام أوباما لتعبيرات تربط بين الإسلام والإرهاب «يمثل خطوة صحيحة تهدف إلى تجنب الإضرار بالشرائح التي قد تتأثر سلبًا بهذا الخطاب» وتابع إن هذا الربط «سيضر كثيرًا بحلفاء يجب أن نتعاون معهم من أجل دحر التنظيمات المتطرفة»، معتبرًا أن المعركة مع «داعش» أو «القاعدة» تتجاوز الطابع العسكري لتصل إلى الأمور السياسية والاجتماعية.

 

 

ولكن يبدو أيضًا أن خطاب أوباما، الحذر لم يطمئن مؤسسات ومنظمات إسلامية وحقوقية بالولايات المتحدة، إذ وجه البعض من تلك الجهات انتقادات لقمة واشنطن لحصرها الحديث عن التطرف في المسلمين فقط.