منذ أن أعلن حزب الله رسمياً وبشكل واضح على لسان أمينه العام الدخول في أتون الحرب السورية الى جانب نظام الأسد، وذلك بعد عدة اشهر من بداية حراك الشارع السوري وبدايات عسكرة الثورة، جهد الجهاز الدعائي للحزب بإيجاد مبررات وأهداف لا تمت إلى جوهر هذا التدخل بأي صلة.
إلا أن حجم الاستدارة وحجم محمولاتها الثقافية المتناقضة مع أبسط المرتكزات الفكرية والدينية فرضت على الحزب وأعلامه اختراع واستحداث يافطات دعائية خادعة تستر ما هو غامض وما هو غير مصرح به على الأقل في الأيام الأولى، وتتكفل هذه اليافطات والشعارات باقناع الجمهور بحقائق ووقائع “تشرعن” هذا التدخل وتخفف من وقع أي احتمال للتساؤل فضلا عن الاستفادة منها في عملية الجذب والاستقطاب.
وهذا ما أوجب القيميين على الدعاية الحزبية إلى استعمال عدة شعارات وطرح أكثر من هدف، تنسجم كل واحدة منها بمقتضيات التحولات الميدانية وطبيعة الجغرافيا والغايات المستقات من كل معركة على حِدا، بغاية خدمة الغاية الحقيقية الكبرى.
فبعد الدفاع، كما هو معروف عن بيوت لبنانيون في القصير، ومحاربة الإرهاب في القلمون وقبل هذا وذاك كان الشعار الأعظم والخديعة الأكبر هي في رفع أم اليافطات وراية الرايات وفيها شعار الدفاع عن مقام السيدة زينب(ع)، فوق الرماح في معركة الزود عن قصر المهاجرين، كان لا بد من اختراع “مقام” جديد للدفاع عنه في المعارك الدائرة الآن بجنوب سوريا ومنطقة درعا.
وقبل الحديث عن الراية الجديدة المستعملة والتي تكاد تضحك الثكلى (كما يقولون)، لا بد من الإشارة هنا ان المعارك في الجنوب السوري انما تدور بين حزب الله وفريقه من جهة وبين الجيش السوري الحر بشكل خاص من جهة أخرى، ولا يخفى على المتتبع للأوضاع السورية أن الجيش الحر إنما يشكل الخطر الأول والأخير على نظام بشار، لأنه وبعد أن نجح النظام ومعه كامل المحور الممتد من الشيشان مروراً بسجن أبو غريب ووصولا إلى معتقلي سوريا، بعد أن نجح كل هؤلاء وغيرهم بـ”دعشنة” الثورة السورية، فلم يبقَ أمام النظام أي خطر حقيقي يمكن أن يشكّل بديلا يحرز مقبولية عربية ودولية إلا هذا “الحر” المسكين.
فكان ولا بد آنئذ من العمل على القضاء على هذا الخطر الحقيقي خاصة مع اقتراب الحديث عن تسويات تلوح رياحها من جنييف او حتى من موسكو وما يتفلت من على لسان دي مستوراً، وبالتالي فان القضاء على آخر معاقل العدو الحقيقي لبشار قد يشكل فعلياً، “انتهاء اللعبة” بسوريا، حيث لن يبقى منافس جدي يمكن ان يجلس على الطاولة في مقابل بشار الأسد.
وبغض النظر عما آلت اليه نتائج المعارك، وجريان الرياح عكس ما تشتهيه سفن الممانعة، واستنفار “اللعبة” أكثر فأكثر بدل انتهائها، يبقى العودة إلى ما أردنا الإشارة اليه وهو الشعار الذي تحته تسير وقائع هذه المعارك إلا وهو الوصول إلى جبهة الجولان المحتل والايحاء بعد ذلك بهدف فتح هذه الجبهة مع العدو الإسرائيلي !
وهنا وفي هذه العجالة لا يمكنني إلا تسجيل أعلى علامات الاستغراب والتعجب والاندهاش ليس من الجهاز الإعلامي في الحزب فقط والذي ما فتىء يحاول اقناعنا بانتصارات التقدم نحو الجولان، وانما العجب كل العجب من هذا الجمهور الذي اقتنع ان إسرائيل قلقة ومضطربة من مجرد اقتراب جيش هذا النظام الى الحدود معها! متناسيا هذا الجمهور ان الجيش عينه هو من كان حامي حمى هذه الحدود لعشرات السنيين، وإن جنود العدو في المقلب الاخر قد اشتاقوا حتما لزملائهم من جنود الأسد، مما يعني بلا أدنى شك، أن الكلام عن الاقتراب من الحدود مع العدو الإسرائيلي ما هو الا “مقام” جديد لمعركة جديدة، لا تخدم الا الغاية الأساسية وهي الدفاع عن بشار الأسد فقط لا غير.