بين ما أُنجِز وما لم يُنجَز من الخطة الأمنية التي بدأت في البقاع أخيراً، تساءَل البعض، هل ستكون كسابقاتها كما أشيعَ قبل بدئها، أم ستلحَق بها إجراءات ثابتة ودائمة تمنَع المطلوبين من العودة، كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال زيارته التفقّدية؟
بعد انطلاقها فجر الخميس في الثاني عشر من الشهر الجاري، انتهَت عملياً مفاعيل الخطة الأمنية مساء الجمعة في العشرين منه، فتوقّفت عمليات الدهم للمناطق والبلدات التي تأوي المطلوبين، وغابَت كلّ الحواجز الظرفية التي كانت تُنفّذها القوى الأمنية المشتركة، من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام، على طول الطريق الدولية ومفارق البلدات البقاعية وداخل بعضها، فيما أبقِيَ على الحواجز الثابتة التي كانت موجودةً أصلاً بعد زيادةِ عديدِها.
تسعة أيام دهمَت خلالها القوى الأمنية والجيش منازلَ مطلوبين وعدداً من البلدات في البقاع الشمالي، لكن لم تؤدِّ إلى توقيف أيّ من المطلوبين الكبار ورؤساء عصابات الخَطف والسَرقة وتجارة المخدّرات، بل اقتصرَت على توقيف عدد كبير من السوريين الذين انتهَت صلاحية أوراقهم الثبوتية، وعدد من اللبنانيين المطلوبين بمذكّرات توقيف ووثائق اتّصال، إضافةً إلى مصادرة سيارات مسروقة وأُخرى بلا أوراق وكمّيات من الحشيشة والمخدّرات.
مصدر أمنيّ قال لـ«الجمهورية»: «إنّ الخطة لم تؤتِ ثمارَها لعوامل عدّة، منها: أنّها لم تعتمد على عنصر المباغتة في عمليات الدهم، بل كثرَ الحديث عنها في الإعلام وقبل بدئها بأيام، ما دفعَ المطلوبين إلى الهروب، وثانياً أنّ الحدود المفتوحة والطرُق غير الشرعية سَهّلت في انتقال المطلوبين إلى داخل الأراضي السورية».
وشدّد على أنّ «الجيش اللبناني لا يسمح للمطلوبين بالمرور عبر حواجزه ونقاطه المنتشرة على طول الحدود، ما دفعَهم إلى المرور عبر الطرُق غير الشرعية، والتي هي تحت مراقبة وسيطرة قوى معروفة، ما يطرَح سؤالاً بحسَب المصدر، وهو: «هل إنّ رفع الغطاء السياسي كان دونَ المرتجى والمطلوب منه؟». وعن الكلام أنّ الخطة الأمنية لن تسمحَ للمطلوبين بالعودة مجدّداً إلى لبنان، أكّد المصدر أنّ للخطة إجراءات لاحقة وثابتة ستُسهم في استتباب الأمن.
في مقابل ذلك، نجحَت الخطة الأمنية قبل أن تبدأ بإخفاء كلّ أنواع الجريمة، فغابَت السرقة والخطف والسيارات ذات الزجاج الداكن والسلاح الظاهر عن الساحة البقاعية. وبعدما كان يُروَّعُ الناس بلا أيّ سبب، شعرَ المواطنون حقّاً بارتياح حُرموا منه طويلاً، أقلّه خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لكنّ هذا الشعور عاد ليتبدّد بعدما شعروا أنّ الخطة قد انتهَت من دون توقيف أحد، واحتمال أن يعود المطلوبون إلى المنطقة خلال أيام.
لكنّ الأهالي يصرّون على أنّ الأمن لا يكتمل إلّا بالإنماء الذي حُرمت منه المنطقة تحت راية نوّاب لم يقدّموا لها منذ أوائل التسعينات أيّ خدمة تُذكر على مختلف الأصعدة، بل اقتصرَت خدماتهم على «المحسوبين» عليهم كتزفيت طريق هنا وإقامة حائط دعم هناك.
وفي هذا الإطار، تحدّثَ أحد تجّار بعلبك لـ»الجمهورية» فقال: إنّ الحركة الاقتصادية في السوق غابت منذ بدء الخطة الأمنية، ما يَطرح تساؤلاً: هل إنّ جميعَ أهالي المنطقة هم مطلوبون، أم أنّ الزبائن والأغنياء هم فقط المطلوبون، وكانت الدورة الاقتصادية قائمةً عليهم؟».
وفي السياق، أوقفَت قوّة من مفرزة استقصاء البقاع، بعد عملية رصدٍ ومتابعة، غ. و.، في شارع الشيخ حبيب في مدينة بعلبك، وهو مطلوب للقضاء بموجب 40 مذكّرة توقيف بجرائم مختلفة، منها السرقة والتزوير واستعمال المزوَّر وشراء مسروقات وتصريفها والاحتيال وإعطاء شيكات بلا رصيد ومقاومة رجال السلطة. وقد تمّ تسليمه إلى القضاء المختص.
وسواءٌ تمَّ توقيف المطلوبين الكبار أم لا، يبقى الثابت الوحيد أنّ الدولة قادرة على الحضور الفعلي في المنطقة، وأنّ حضورَها ينقصه القرار السياسي الذي يتحكّم في مفاصل الحياة العامّة.
في سياق آخر، أحيَت فاعليات الهرمل وأهاليها، ذكرى استهداف حاجز الجيش في بلدتهم، بتفجير ارهابي العام الفائت، ما أدى الى استشهاد النقيب الياس الخوري وعسكريّين اثنين وأحد المدنيين من الهرمل، وذلك بوضع اكاليل من الورود، وإطلاق عدد كبير من البالونات.
وألقى مخلص امهز كلمة بإسم الأهالي أشاد فيها بـ»دور الجيش الذي حمى المنطقة واهلها من مجزرة»، مؤكداً «امتنان جميع اهالي المنطقة للدور الريادي والوطني للجيش على كامل مساحة الوطن».