متاهة !!! غرفة 28 / غرفة 32 / غرفة 29 / ارجع على 30 / إنزل لتحت اطلع لفوق ورقة غلط بدا توقيع جيب طابع ! اطلع / انزل / غرفة 33 ارجع على 28 .... وهكذا ؟؟؟
مرحبا بك أنت في مالية طرابلس!! أنت على خطوط الروتين الممل الذي يحرق المواطن و وقته وجيبته ؟
يوميات مدير عام ... هذا الوصف الذي كنت أسمعه دائماً عن الدوائر العامة في طرابلس تركز في ذهني اليوم . هي المرة الأولى التي أتجول بها بين خبايا لعبة المعاملات الإدارية المشكلة فك رهن المقصد المالية والعقارية !! في العاشرة صباحاً بدأت الجولة حسبتها ورقة وتنتهي بختم وتوقيع . بدأ الماراثون المالي صعدت الدرج وهبطته أكثر من 4 مرات كنت أطوف بين الغرف لأخذ أختام تلوينية يمكن أن تختصر بغرفة واحدة وموظف واحد ، وقفت عند كل موظف أكثر من مرتين لـ يشحط الإمضاء الكريم مرة جديدة فوق الورقة التي من أقلامهم كفرت . أخذت أكثر من ستة تواقيع وأختام حتى فاض بي الكيل وسألت الموظف أمامي : ما الجدوى من هذه ( البرمة ) لماذا هذا الروتين اللامبرر وهذا الطواف بين المكاتب !!! ابتسم وقال لكل غرفة ختم رسمي ؟ فسألته ألا يمكن اختصارها بختم واحد ونكتفي ... صمت وقال نعم ولكن ؟؟؟ ولكن ....
سرقة ( وعلى عينك يا تاجر) ... انتهت المهمة الصعبة في المالية وطلبوا من التوجه إلى العقارية ، تنهدت وقلت ( يا عيني وكمان رح لف السبع لفات ) تبسّم الموظف وقال لي هي خطوة واحدة في العقارية لا تقلقي ... اتجهت إليها من بعد عدة استفهامات فالمبنى عبارة عن متاهة دائرية ، وصلت وعلى أمل ان أنتهي وأخرج منتصرة من مغارة علي بابا ... ولكن المغارة لم تشبع ؟؟ من غرفة أولى إلى ثانية إلى ثالثة لأذهب إلى رابعة .... وفي الرابعة جلس الملك ؟؟؟ موظف حاسباً معه ملكاً على الدولة وملكاً على الناس ، قلت له أريد إنهاء هذه الورقة نظر بإستخفاف أخذها بلامبالاة وقال (بدا توقيع كاتب عدل) !!! تفاجأت فكل الأوراق قانونية ومنتهية والموظف في المالية أكد لي ذلك ... سألته وأين أجد كاتب عدل ؟ أجاب بسخرية ( اطلعي ودوري ) خرجت من مكتبه وعدت لموظف المالية أخبرته بما قال لي زميله المتحاذق ليجيبني ( لا أدري) ...
نهاية اللعبة ... خرجت من المالية وبحثت عن أقرب كاتب عدل ... دخلت وانتظرت ريثما أنهى العمل الذي يقوم به !!! ولما أنهى أريته الورقة ليصعقني جوابه : هي ورقة قانونية ولا تحتاج لكاتب عدل !!! فنظرت مذهولة وهو انقبض وجهه وكأنه قال ما لا يلزم قوله فأعاد ببراعة تقليب الأوراق مراوغاً ليصحح نعم نعم بحاجة !!!! هنا أيقنت أن الإدارات العامة (كذبة ونصب) وأن المواطن هو الضحية ... دفعت الفدية المرجوة لكاتب العدل ... وعدت لموظف المغارة ليؤجل ورقتي ليوم الإثنين !!! ضاع وقتي / حُرقت أعصابي / تكبدت خسارة مالية لا ضرورية / ولم تنتهِ معاملتي ؟؟؟
إجابة الموظف ... وأنا في السيارة عائدة بعد يوم طويل في مغارة المالية تفكرّت في إجابة الموظف (ولكن) ؟؟ نعم ولكن ... نعم لا بد من الروتين ... فلبنان بلد المحسوبيات ولكل زعيم موظف وغرفة وختم ؟؟؟ نعم فنحن لا نأخذ أختام قانونية بقدر ما نتحمل أعباء الواسطات والمحسوبيات .... نعم ... ختم واحد للمعاملة وثلاثة موظفين يعملون بضمير يكفي لإفادة المواطن و وقته وحاجته ولإنهاء المعاملة في أقصر وقت . نعم ... ولكن من يهتم ؟؟ (الزعيم بده ياكل والأزلام بدا تاكل والمواطن الفقير هو الي بده يطعمي !!!! )
فإبتسم يا طرابلسي ويا لبناني ... ما مالية طرابلس غير وجه من وجوه الإدارات الرسمية التي تفلح على ظهر المواطن والتي لا تأبه لا لحقوقه ولا لوقته ولا
لمصلحته ؟
بقلم: نسرين مرعب