إنه مرض يسري في روح اﻹنسان ، يسيطر عليها بكليتها ، يحجب عنها الرؤية ، و يسوقها سوق الغنم إلى مراتع الكﻷ.
و للتعصب أسباب عديدة أهمها ما يلي:
أولا" : قناعة أغلب البشر أنهم يملكون الحقيقة ، و أنها حكرا" عليهم و مختصة بهم ، و أنهم بهذا ، جديرون بتوجيه اﻵخرين و إرشادهم إلى الطريق القويم ، متناسين أن الحقيقة مفهوم نسبي ، يختلف بين زمن و آخر ، و بين مكان و آخر ، و طبعا" ، بين ثقافة و أخرى.
إن الشعور بامتلاك الحقيقة ، يستتبع شعورا" بالتفوق و الكبرياء ، و هذا ، بالتالي ، يستتبع نظرة فوقية متعالية تجاه اﻵخرين ، فينتج عن ذلك ممارسات خاصة ، تتمظهر في منحيين اثنين:
المنحى اﻷول : إنعزالي ، يهدف إلى الحفاظ على ما اصطلح على تسميته ( أهل الحق ) ، من خلال عدم التماهي مع الآخرين ، خشية ضياع الهوية و الكيان.
المنحى الثاني : إقصائي ، إلغائي ، يهدف إلى شطب اﻵخر و تصفيته ، كونه عدو للحقيقة و ﻷهلها ، و هذا المنحى يجسد قمة الخطر ، ﻷنه يعطي ﻷصحابه ، الحق في استئصال اﻵخر و تصفيته باعتباره خطرا" داهما"، وجب الحذر منه و مواجهته.
ثانيا" : شعور الفرد ( واهما" ) أن هناك علاقة متينة تربط بينه و بين أفراد الجماعة التي تمثله ، كالرابط الديني و المناطقي و القبلي ، مما اتفق على تسميته ب ( المتخيل الجمعي) .
و هذا الشعور يتمظهر معنويا" و سلوكيا" بأشكال و أنماط متعددة ، قد تكون مستهجنة إنسانيا" و مرفوضة أخلاقيا" ، غير أنها تلعب دورا" محوريا" في الحفاظ على وحدة الجماعة المتخيلة و بقائها.
و بناء" عليه ، تصبح اﻷيديولوجيا ، شكلا" من أشكال التعصب ، بل هي من أخطر أشكاله ، و مرد ذلك لا يعود إلى تطرفها أو إلى حدتها ، فالتعصب الديني أكثر تطرفا" ، لكن لكونها تتوسل المنطق و العقل لتسويغ وجودها و شرعنته ، فهي بهذا ، تؤسس بالمنطق ما يناقض المنطق.
و تكمن خطورتها أيضا" في كونها التعصب اﻷكثر اجتياحا" للنخب ، و إذا ما أخذنا بنظر اﻹعتبار ، التأثير الخطير الذي يمارسه المثقف في تطور الفكر و تعميمه ، أدركنا ، آنذاك ، مدى التأثير السلبي الذي تلعبه اﻷدلجة ، على أكثر من صعيد.
لذلك كله ، و لمعرفتنا العميقة باستحالة وجود اﻹنسان المتجرد و الموضوعي ، فإننا ندعوا إلى ايجاد آلية تخفف من النتائج الكارثية التي يسببها التعصب ، بكل أشكاله ، الظاهرة و المضمرة.
و اﻷولوية ، برأينا ، تكون في نشر اﻷفكار التي تدعو اﻹنسان إلى الحيرة ، و الشك ، و التي تحفز اﻹنسان على مراجعة كل ثوابته و إعادة ترتيبها تحت ضوء العقل و مجهر العلم.
إن اعتماد الطريقة السقراطية في إعادة تشكيل الوعي ، هو السبيل اﻷمثل للحد من ظهور التطرف و نموه ، ﻷن الشك هو رافعة الوعي ، و هو بداية المعرفة ، و بذلك ، نكون قد ثبتنا أول مسمار في نعش التطرف.
بلال اللقيس