كرّت سُبحة زيارات أهالي العسكريين المخطوفين إلى أبنائهم في جرود عرسال. وآخرُها زيارة عائلتَي بيار جعجع وماهر فيّاض إلى ولدَيهما. لقاءٌ دامَ نحو ساعة و25 دقيقة، على إثره ارتفعَت معنويات الأهالي، لا سيّما بعدما وعدَهم المخطوفون بإرسال تسجيلات صوتية عبر الواتس آب، وبتنظيم زيارات للعائلات كافّةً، “كلّن جايي دورُن”.
«الشباب بخير، ويلقون أفضلَ معاملة». بنبرةٍ متحمّسة تختصر نزهة جعجع زوجة الجندي المخطوف بيار الظروفَ التي يعيشها العسكريون المخطوفون لدى جبهة «النصرة». بعد يوم شاقٍ من التنقّل في الجرود، تروي نزهة تفاصيلَ اللقاء لـ«الجمهورية»، وهي في طريق العودة.
فتقول: «بعدما تلقّينا الضوء الأخضر لزيارة بيار عبر الواتس آب، توجّهنا منذ الصباح الباكر إلى الشيخ مصطفى الحجيري، الذي اصطحبَنا في سيارته الرباعية الدفع إلى جرود عرسال، مع مواكبةٍ أمنية طوال الطريق، دربٌ وعرة، بردٌ قارس.
وعلى وقعِ الكلمات الترحيبية، والمعاملة اللائقة وصلنا، وكان بيار ينتظرنا في إحدى الغرَف، حيث الأحرمةُ والفرشُ على الأرض… الحمدلله وجدتُه بصحّة جيّدة، وللمفارقة رأيتُ أحدَ العسكريين المخطوفين يعجن ويخبز، لأكتشفَ في ما بعد بأنّ العسكريين يُعدّون الطعامَ بأنفسِهم، وتمدّهم الجهة الخاطفة بالأغراض التي يحتاجونها».
لا تنكر جعجع أنّ الجهة الخاطفة حمّلتهم أكثرَ من رسالة، “أبرزُها أنّهم ضد قتال “حزب الله” في سوريا، وأنّ المفاوضات باردة كما أبلغَها أمير “النصرة” أبو مالك التلّي.
وفي المقابل، حمَّلت نزهة الشبخ أبو مالك، رسالةً مفادُها أنّ «أولادنا العسكريين أمانة بين يديك، ما من ذنبٍ اقترفوه».
أكثر ما أدهشَ جعجع، أنّ الخاطفين سألوها عن ولديها شربل وإيلي، وعن عدم اصطحابهما معها لرؤية والدهما. وبعدما أعربَت عن خشيتِها من خطف ولديها، قطعوا لها وعداً: «انشالله المرّة المقبلة تصطحبينهما، ويمضيان يومين مع بيار، ولا أحد يهينك بكلمة أو يتوجّه إليك بسوء».
عائلة فيّاض
“وجبةٌ غذائية يحبّها، كعك، بوتي فور، مبلغ من المال، ورسالة شخصية”. هذه هي الأغراض التي أرسلتها لينا زوجة المخطوف ماهر فيّاض مع أهله الذين توجّهوا صباحَ أمس لزيارته. كانت تتمنّى مَدّ زوجِها بثياب تقيهِ الطقس البارد، إلّا أنّه ممنوع، فالأغراض المسموح إدخالها محدّدة على ورقة مسبَقاً، ولا يمكن مخالفتها.
على رغم أنّ وضعَها الصحّي لم يسمح لها بالذهاب مع أهل زوجها لزيارة ماهر، إلّا أنّها انتظرَتهم على أحرّ من الجمر وواكبَت وتابعَت أدقَّ التفاصيل عبر الهاتف معهم. وبلهفةٍ عارمة، تتحدّث لـ«الجمهورية»: «المُهمّ، أنّ زوجي حيٌّ يُرزَق، وبصحّة جيّدة، ولا شكّ في أنّ رؤيته لولدينا رامي (12 سنة) ورمي (5 سنوات) ستزيده صموداً وتمسّكاً بالحياة، فقد حرصتُ على إرسالهما مع جدَّيهما».
وعن تفاصيل ترتيب اللقاء، تقول: «إنطلقَت العائلة السابعة صباحاً من راشيا الوادي، ونحو الساعة العاشرة، باتَت في عهدة الشيخ مصطفى الحجيري، الذي أمّنَ مَن ينقلهم لرؤية ماهر… فقدتُ الاتّصالَ بهم، حتى الرابعة والنصف بعد الظهر». تغوص لينا في صمتها، وتتنهّد قائلةً: «إشتقتُ لزوجي، كثيراً، والعائلة كلّها تفتقده، الله يهَوّن المصيبة ويفرج همّنا».
إطلاق سراح… قريباً!
بين “لو بَدّا تشتّي غيّمِت”، وبين “بعد الشدّة فرَج”، تنقسم آراء الأهالي، إلّا أنّ رغبةً كبيرة تجتاحهم، بأن لا تتوقّف ثمار المفاوضات على مجرّد السَماح لهم بزيارات أولادهم، فهُم يصِرّون على ترجمة المناخات الإيجابية، وحُسن النوايا التي يتردّد صداها، والوعود التي يغدقها عليهم السياسيون، عبر إطلاق سراح أقلّه أحد المخطوفين.