يكاد المرء لا يصدق ما الذي يجري حوله في سوريا، ها هي طائرات النظام تقصف دوما، حتى تكاد تبيدها، ثم تنطلق قوات مشتركة من الافغان والإيرانيين واللبنانيين والسوريين بقيادة الحرس الثوري نحو جنوب سوريا، بعد استعدادات طالت لشهر، فتتقدم ثلاث قرى عدا ونقدا في ريف القنيطرة، وتتوقف بسبب حجم الخسائر ورداءة الطقس، وبعدها بايام تتقدم قوات مشتركة من النظام ومن ضباط إيرانيين ومن مقاتلين لبنانيين وسوريين من ميليشات محلية باتجاه قرى نبل والزهراء، وتستمر في التقدم لساعات، قبل ان تعود وتمنى باصابات بالغة، وتضطر إلى ترك مواقعها عشوائيا.
في الجنوب بالغ إعلام النظام ومؤيدوه وحزب الله في تضخيم هدف المعركة، اسرائيل مباشرة، وعملاء لحد الذين يعيقون تدفق قوات تحرير فلسطين، هددوا الاردن، ومن خلفه دول الخليج، ثم انطلقوا في حملة لم تستمر اكثر من بضعة ايام، تركوا خلالها قادة الهجوم الإيرانيين جثثا بين ايدي تشكيلات الجيش الحر في الجبهة الجنوبية، وعادوا إلى الحديث الإعلامي من دون كثير فعل، بقيت الجبهة الجنوبية خاضعة من وقتها وحتى اليوم لعوامل الطقس البارد ولمزاجية الثلوج البيضاء.
هذه المعركة سبق ان تم حشد القوات لها، والآليات، واتى جنرالات إيرانيون لقيادتها، يحكى ان الجنرال قاسم سليماني هو من قادها، ويحكى ايضا ان مصطفى بدر الدين، الذي حل محل المعاون الجهادي السابق لحزب الله عماد مغنية هو الآخر قاد هذه الحملة على الجنوب، ولكن الاكيد ان التشكيلات الميدانية كانت تتقدم بقيادة جنرالات إيرانيين، وانها حين تعرضت لنيران كثيفة تركت خلفها جثث قياداتها، وان قتلى من حزب الله لا يزالون في ارض المعركة تحت الثلوج.
في الشمال كانت مشابهة ايضا، وان كانت المعلومات الاولية حول هجوم يوم 17 شباط / فبراير لا تزال غير مكتملة، الا ان المتوفر منها كان عن حشودات مشتركة بدأ الاعداد لها منذ اسابيع، وتخطيط من قبل القيادة الإيرانية الجديدة في سوريا، وان القيادة الميدانية كانت لقادة في الحرس الثوري، وان الامكانيات الموضوعة في تصرف القوات المشاركة كبيرة، وانتهى الكلام عن عدم كفاءة الجندي السوري، اذ حل مكانه الجندي الافغاني والإيراني واللبناني المدرب جيدا وصاحب العقيدة القتالية العالية، والمدفوع بايمان ما ورائي.
الامين العام لحزب الله حسن نصرالله قدم خطابه يوم السادس عشر من شباط / فبراير لمناسبة «القادة الشهداء» ومنهم ابن عماد مغنية جهاد، الذي قتل في القنيطرة خلال عمل استطلاعي.
الأمين العام لم يتحدث الا لماما عن تدفق قواته إلى سوريا، وعن معركة «ضرب جيش لحد» في القنيطرة، او افشال «الحزام الامني الاسرائيلي الجديد» في جنوب سوريا، بل اكتفى بالتلويح بالتهديد المبطن لدول الخليج بان الإرهاب قد وصل اليهم في السعودية، وان حجم الحزب قد اصبح يوازي دولا عظمى من حيث التأثير، وانه يشارك في صناعة مصير العالم، الا ان مصير مقاتليه في معركة مثلث ريف دمشق ـ القنيطرة ـ درعا لم يكن حاضرا في خطاب القادة الشهداء.
في وكالات الانباء الإيرانية لا شيء عن مشاركة الحرس الثوري في سوريا، بل مجموعة من النصائح الاخلاقية والتخوف من تنظيم الدولة الإسلامية وانتشار الإرهاب وبعض عمليات التشييع لضباط إيرانيين ترد بين الحين والآخر، ولكن لا معارك يخوضها الحرس الثوري في سوريا، ولا آلاف المجندين من الافغان اللاجئين في إيران منذ عقود، ولا تعبئة لمقاتلين من دول اخرى وتدريب وتسليح، ربما ترد تحايا من لبنان لدور إيران في صمود سوريا.
الا ان الارض تظهر غير كل هذا الكلام، لقد بدأ التخبط الإيراني في الوحل السوري في موسم الشتاء هذا، لم تعد الامور مجرد نزهة، لقد تجاوزت طموحات إيران كما يبدو قدراتها وقدرات حلفائها، الحرب المتسرعة التي تشن الآن لاستغلال عدد من العوامل قد لا تجد انتصاراتها الباهرة كما يحصل في اليمن.
العامل الاول المغري على الحرب العاجلة في سوريا كان انخفاض اسعار النفط عالميا وتضرر إيران من ذلك، ومحاولتها تغيير المعادلة قبل ان تصل الاضرار المالية إلى الجانب العسكري التابع للحرس الثوري، مع ما يعانيه الحرس الثوري من انتقادات داخلية، وعلى رغم من وضع يده على جزء من نفط العراق.
العامل الثاني المغري كان انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية ودخول القيادة السعودية في عملية التسلم والتسليم المليئة بالحذر وبالريبة في القصور والمقرات الملكية، والتي عادة ما تجري ببطء شديد.
العامل الثالث هو بداية حل الخلافات القطرية السعودية، والتركية الامريكية، ومحاولة ترميم صف مجموعة قوى لا تتفق مصالحها على الكثير في الاراضي السورية، ولطالما كانت عامل تشتيت للقوى الثائرة في الداخل السوري وبين صفوف المعارضة الخارجية.
العامل الرابع هو حالة الضعف التي تنتاب الفصائل المقاتلة في سوريا، وتمدد القوى الإسلامية الجهادية على حساب القوى الثائرة والمنتفضة، ومحاولة الجبهة الجنوبية في الجيش الحر توحيد قواها، وهي مبادرة بحال نجاحها ستشكل نموذجا تحتذيه باقي المناطق مما سيرفع من قدرة المجموعات على القتال في مناطق لا تزال تعتبرها إيران حاجة لاستراتيجيتها كالجنوب السوري، ويعتبرها النظام ضرورة لاستمراره كمدينة حلب والحدود مع تركيا.
النتيجة كانت ما شاهدناه من انتشار لجثث القتلى الإيرانيين واللبنانيين والافغان والسوريين على ثلوج القنيطرة، وفي اوحال حلب، والنتيجة هي حالة من التخبط الحقيقي التي تعيشها إيران وحزب الله والنظام السوري.
الا ان الحرب لم تنته بعد، وخلال جلسة مع احد القياديين في الجبهة الجنوبية قال الضابط الشاب «لا اعتقد ان الطقس وحده ما اوقف الهجوم علينا، انهم يعيدون حساباتهم، وسيعاودون الهجوم مرة اخرى» وهو ما يرجح ان يحصل، ولكن في لعبة الدم والموت قد لا يخرج المقاومون السابقون منتصرين، حتى لو أذاع إعلامهم بيانات الانتصار والتهاني بالقضاء على الإرهاب والتكفير.
المصدر: القدس العربي