قال الباحث في الحركات الاسلامية والعميد السابق لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور عبد الغني عماد :
ان التيارات السلفية في لبنان تنقصها الرؤية السياسية الواضحة ولا يوجد تنسيق وتعاون حقيقي فيما بين مؤسساتها وشخصياتها الفاعلة وان دور كتائب عبد الله عزام في لبنان والمنطقة قد تراجع لصالح تنظيم داعش وجبهة النصرة بعد تلقي الكتائب لضربات امنية قاسية واعتقال معظم قياداتها، ودعا عماد لاعتماد منهجية جديدة في دراسة التيارات الاسلامية عامة والتيارات السلفية خصوصا من خلال دراسة كل الابعاد الفكرية والاجتماعية والسياسية لواقعها وعدم الاقتصار على الجوانب الفقهية او الامنية والجهادية.
كلام الباحث عبد الغني عماد جاء خلال لقاء حواري نظمه مركز "الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي" بعنوان "السلفيون في لبنان، النشأة والافكار والانتشار والمؤسسات والهيئات الناشطة" في مقره في طريق المطار، وقد حضر الللقاء عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ احمد عمورة والمسؤول السياسي في الجماعة الاسلامية عمر المصري وحشد من الشخصيات الفكرية والاكاديمية والاعلامية.
قدم للقاء واداره الصحافي قاسم قصير مشيرا لاهمية الحديث عن التيارات السلفية في لبنان وضرورة توضيح رؤيتهم ومواقفهم ، ثم كانت كلمة ترحيب من ادارة المركز للشيخ محمد زراقط، اعرب فيها عن ترحيب المركز لاستضافة الافكار، وتداول الاراء بين المدارس الفكرية المتعددة.ثم تحدث عماد، فطرح تساؤلا حول كيفية دراسة الظاهرة السفلية، وقال:" لا يمكن دراستها من ناحية ما تقدمه من نصوص فكرية وفقهية فقط لانه يقدم جانبا من الصورة وليس كلها".
واضاف: ان "دراسة السلفية تحتاج الى دراسة مركبة وليس دراسة احادية الجانب"، لافتا الى ان "الكثير من القيادات السلفية او الذين لعبوا دورا فيها، هم ابناء طبقات غنية وليسوا فقراء كما ادعى البعض، كما ان المستوى الفكري ليس عميقا لديهم وكذلك مستوى التسييس ضحل".
ولفت الى وجود ثلاث حلقات في السلفية، وهي: الحنبلية والتيمية، والوهابية. وذكر ان الحلقة الحنبلية كانت الوجه الاول للسلفية، والتيمية كانت اجابة من ابن تيمية على تحديات فترته، اما الثالثة فهي الوهابية وكانت تمثل الجواب على تحديات تلك المرحلة".
واورد 5 نقاط يتعلق بها السلفيون وهي: "التركيز على الجانب العقائدي، ومحاربة كل ما يؤدي الى الشرك او يوحي به ومنها محاربة البدع، وايضا مفهوم الاتباع لا الابتداع، وتقديم النص على العقل، والتمسك الشديد بالسنة النبوية بدءا من ارتداء الثوب والمظهر الخارجي".
وقال: "السلفية الجهادية تختلف عن باقي السلفيات، لاعتقادها ان الجهاد هو المدخل الاساسي لايمان او عدم ايمان المسلم، وتشدد السلفية الجهادية ان الجهاد فرض عين".
واشار الى الاختلاف بين داعش وبين السلفية الجهادية، اذ ان "داعش ترى ضرورة اقامة الدولة في مكان محدد، وتنطلق منها لتتوسع وتقيم دولة الخلافة، بينما "القاعدة" ترى ان تجميع المسلمين في نقطة محددة يهدد مسيرة الدعوة الاسلامية".واوضح ان هناك عدة مدارس سلفية معاصرة وهي :المدرسة التقليدية والتي يمثلها الدعاة الرسميون في السعودية وبعض الدول العربية، المدرسة العلمية ويمثلها الشيخ ناصر الدين الالباني وتركز على الدعوة والتعليم، والمدرسة الجامية او المدخلية وهي الاكثر تشددا في المدارس السلفية وتدافع عن ولاة الامر وتكّفر من يخرج عنهم، والمدرسة السرورية او الحركية وهي تجمع بين السلفية والعمل السياسي والحركي. والسلفيون لم يكونوا يؤمنون بالعمل السياسي او الجهادي ولكن بعد نشوء السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة اتجه السلفيون للقتال واصبحوا يواجهون الحكومات والقوى الخارجية وتنظيم داعش يختلف عن تنظيم القاعدة لانه يريد اقامة الدولة الاسلامية وتجميع المقاتلين في بلد واحد ، في حين ان القاعدة تريد القتال في كل انحاء العالم وتركز على وجود الخلايا النائمة للقيام بعمليات جهادية. وتحدث الدكتور عبد الغني عماد عن تاريخ نشوء السلفية في لبنان وعن مؤسسها الشيخ سالم الشهال في طرابلس وانه لم يكن يلقى استجابة من ابناء طرابلس لانهم اشعريون وحنفيون وانه طيلة ثلاثين سنة من عمل الشيخ سالم الشهال لم ينجح في تكوين اطار سلفي واسع لكن بعد تراجع دور مصر والازهر وذهاب الطلاب الى السعودية للدراسة ومن ثم عودتهم الى لبنان بدأت تبرز المؤسسات والمدارس السلفية وقد توسعت في التسعينات واالعشرينات من القرن العشرين وفي العقد الاول من القرن الواحد والعشرين نظرا للاموال التي صرفت من عدة دول ولوجود الكثير من المتمولين وبسبب التطورات السياسية والامنية في لبنان والمنطقة. وقدم عماد عدة ملاحظات على التيارات السلفية في لبنان ومنها: التشظي في المجموعات السلفية وكثرة الخلافات فيما بينها، افتقادها للخطاب والمشروع السياسي الواضح، غياب الرؤية السياسية والتسيييس في عملها ونشاطاتها،فشل معظم محاولات التوحيد فيما بينها واقامة مشروع سياسي موحد، غياب الرؤية المستقبلية والرؤية التنظيمية الموحدة، تحول كل امام مسجد او مدير مؤسسة او جمعية الى امير، عدم قدرة الثقافة السلفية الدخول الى عمق المجتمع الاسلامي في لبنان عامة وفي طرابلس خاصة. ودار بعد ذلك نقاش موسع بين المحاضر والمشركين وقدم المشاركون عدة ملاحظات على ما طرحه الباحث حول التيارات السلفية ومستقبلها.
-
وتطرق الى السلفية في لبنان، فقال:"ان مؤسسها هو الشيخ سالم الشهال في الثلاثينيات وكان يدعو الى الافكار الوهابية بطريقة مبسطة، لكن طرابلس بقيت محصنة ضد السلفية بسبب ان ثقافة المدينة اشعرية وشافعية، في حين ان من تبنى السلفية لاحقا كان من متخرجي المدارس في السعودية".