يوماً بعد يوم، يتصاعد الحديث السياسي عن اقتراب الساعة الصفر لانطلاق الخطة الأمنية في البقاع، على إيقاعات جلسات الحوار المتواصلة بين "المستقبل" و"حزب الله".
سهامٌ كثيرة وُجِّهت حتى الآن الى الخطة الموعودة، باعتبارها ولدت ميتة، لأن أساس نجاح أي خطة من هذا القبيل هي اعتماد عنصر المباغتة، ولا سيما في سياق توقيف المطلوبين للقضاء على كل المستويات، ولاسيما أولئك المقصودين مباشرة ضمن أهداف الحملة الامنية الموعودة، وغالبيتهم من المطلوبين بجرائم جنائية، وفق ما صرح به مصدر أمني لـ "النهار"، تتراوح بين أعمال القتل الجنائي،والخطف،والاعتداءات المختلفة،والسلب،والسرقات، والاتجار بالمخدرات، والممنوعات على أنواعها. وهؤلاء يتواجدون بغالبيتهم في مناطق معروفة، وبمجرد الحديث عن حملات أمنية اوعمليات دهم لمعاقلهم الرئيسية فإنهم يتوارون جميعا بسرعة عن الانظار، ويتوجّهون نحو مناطق مجهولة - معلومة، بحسب عميد تقاعد حديثاً من احد الاجهزة المعنية وهو من المخضرمين في الشؤون الامنية لأنه كان يشغل منصباً حساساً في هذا الحقل.
أخبار ذات صلة اسبوع 14 شباط هل تواكبه خطة البقاع الشمالي؟ شحنة المدافع الاميركية اليوم... 9 شباط بكرسي شاغر وجنبلاط "لتسوية" 2000 عسكري وأمني لخطة البقاع الشمالي يكشف العميد المتقاعد لـ "النهار" ان الاعلان عن الخطة الامنية في البقاع ليس جدياً، لا سيما ان المسؤولين السياسيين يعلمون تماماً موقع الداء الحقيقي، ويعرفون جيداً أنهم يغطون عصابات المطلوبين من المجرمين واللصوص والخاطفين وتجار المخدرات، كما يدركون أبعاد اللعبة المكشوفة وتفاصيلها القائمة على الاستفادة من واقع تصوير أولئك المطلوبين للقضاء على أنهم محميّون من جهات سياسية محلية، وربط ذلك بالامر الواقع، في حين ان الواقع مختلف تماماً، وان كل الجهات السياسية تتمنّى التخلّص من شرور تلك العصابات التي تعاني ارتدادات أضرارها المباشرة أحيانا، كما حصل في موضوع بيع السيارات المسروقة للجماعات الارهابية في جرود القلمون، والتي تمّ تفخيخها في هذه المنطقة وأعيدت الى لبنان حيث تم تفجيرها بالآمنين في مناطق مأهولة، وغير المباشرة في معظم الاحيان.
ويقول ان جميع المسؤولين المعنيين باتواعلى اقتناعات الآن بما كانت تتداوله الأوساط في مجالس محصورة، من أن الفساد الاداري والامني المستشري في كل لبنان هو المسؤول الاول عن إطالة عمر هذه القضية، وهو محاولة للمتاجرة بها، وأن كلام المسؤولين السياسيين عن الخطة الامنية في هذا السياق، ليس إلا تنبيهاً وتحذيراً للمعنيين مباشرة بهذا الملف، وقد يندرج في سياق الحملات السياسية القائمة ضد الفساد على الصعد كافة ، حتى ولو وصلت أصداء الحملة الامنية الى المطلوبين المعنيين الذين قد يفرّون من بيوتهم الى أماكن أخرى، لكن الوصول اليهم حيث يلجأون هو عملية سهلة جدًّا، في ظل معادلة جديدة تفرض واقعاً مختلفاً في الهيكلية الامنية، من أعلى الهرم حتى أسفله.
ومع ذلك، ورغم عدم صعوبة إلقاء القبض على المطلوبين الجنائيين في البقاع، يرى المسؤول الامني السابق ان أي حلول للوضع الامني في البقاع لن تكون جذرية، ولن تلقى النجاح الحقيقي المنشود، ما لم تحلّ مشكلة الخلايا الارهابية المتواجدة بكثرة في عرسال وجرودها، لأن ضبط الامن وفرض الاستقرار في المنطقة وفي لبنان عموما يقتضي وضع حد لقضية الفلتان الارهابي الذي يتسرب من عرسال وجوارها الى منطقة البقاع الشمالي، ومنها الى كل المناطق اللبنانية، وهو ما يؤدي الى خروق أمنية خطرة على الساحة اللبنانية في معظم الاحيان، لا سيما أن ثمة بؤراً لا تزال موجودة على الاراضي اللبنانية في البقاعين الاوسط والغربي، كما في مخيم عين الحلوة في صيدا وفي بعض مناطق الشمال عموماً، خارج السيطرة الفعلية للدولة، وبالتالي فإن ذلك يجعل المجموعات الارهابية في جرود عرسال تسرح وتمرح في طول البلاد وعرضها، في ظل وجود أكثر من بيئة حاضنة وراعية لهم، وهذا ما ينعكس سلباً على الخطة الامنية المنشودة، بل ينسف أسسها، ومن شأنه أن يعيد الامور الى نقطة الصفر حتى بعد "التطهير" المنشود في الهيكلية الامنية لامرار تلك الخطة.
وانطلاقا من ذلك لا يجب ان تكون الخطة عبارة عن حملة عسكرية، تنتهي مع انتهاء الوقت المحدد لها، بل يجب ان تكون عملا أمنياً متواصلاً على الدوام، ومترافقا مع حوافز أخرى من قبيل استيعاب الشبان في أجهزة الدولة العسكرية والامنية وتقديم بعض التسهيلات الاخرى للمواطنين. بقلم عباس صالح