لا ينظر «حزب الله» بارتياح إلى الحوار بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وذلك بمعزل عمّا يعلنه من مواقف في هذا السياق، لأنّه يخشى أن يؤدّي هذا الحوار إلى تفاهم رئاسي بينهما.
بعد تجربة لأقلّ من عقد من الزمن بقليل تعرّفَ «حزب الله» جيّداً، ولو عن بُعد، على شخصية الدكتور سمير جعجع وكيفية إدارته للملفات السياسية والاستحقاقات الوطنية، وبالتالي أصبح يَعلم تمام العِلم أنّه لا يوجد في قاموس رئيس القوات السياسي مصطلحات من قبيل جوائز ترضية وهدايا مجانية وتنازلات وطنية، الأمر الذي يجعله يتوجّس من أن يخفيَ الاتفاق بين العماد ميشال عون وجعجع، في حال حصوله، قطبةً مخفية ما، لأنّه لا يمكن، بعُرف الحزب، أن يُقدِّم جعجع الرئاسة لعَون على طبَق من فضّة نتيجة لحظة عاطفية أو مقابل مكاسب سلطوية، خصوصاً أنّ رئيس القوات لا تحَرِّكه عواطفه ولم يبَدِّ يوماً السلطة على المبادئ السياسية، وبالتالي لا بدّ أن يكون عون قدّم تنازلاً سيادياً شجّع جعجع على انتخابه.ولا يمكن تفسير مجاهرَة «حزب الله» إلى درجة المزايدة بتمسّكِه بترشيح عون سوى من باب محاولة قطعِ علاقته مع القوات أو زيادة شكوكِها بإمكانية التوصّل إلى تفاهم مع «التيار الحر» في ظلّ العلاقة التكاملية التي تربط الأخير بالحزب.
ومن الواضح أنّ «حزب الله» يهدف إلى إحراج القوّات أمام قواعدها وحلفائها لجهة كيفية دخولها في حوار مع «التيار الحر» الذي يتكامل معه كلّياً، والهدف من الإحراج وضعُ حدّ للحوار بين الطرفين.
وللتذكير فقط فإنّ «حزب الله» كان وراء كشفِ اللقاء بين عون والرئيس سعد الحريري الذي حصل بعِلم الحزب ومن دون عِلم حلفاء رئيس «المستقبل»، والقَصد من وراء إخراجه إلى الضوء قطعُ الطريق أمام أيّ تفاهم بين الجانبَين، عِلماً أنّ الحريري كان التزمَ بطلب عون ومن دون أن يقدّم أيّ تعهّد رئاسي قبل التشاوُر مع حلفائه، كما نصحَ عون بالتواصل معهم. ولكنّ الحزب لا يستطيع أن يرفض حواراً بين عون والحريري، ولا بين عون وجعجع، إلّا أنه بالمقابل لا يتقبّل أيّ تفاهم بين أيّ مكوّن من 14 آذار وعون.
ويجد الحزب نفسَه محرَجاً أمام عون، فلا يستطيع تبنّي مرشّح غيره من دون موافقته تلافياً لخسارة الغطاء المسيحي، ولكن لا يبدي حماساً لانتخابه رئيساً، وذلك لخمسة أسباب أساسية:
السبب الأوّل، لأنّه في حال حصول أيّ خلاف بين الحزب وعون، فالأخير قادر على حجز شريحة واسعة من المسيحيين خلفَه، الأمر الذي يحوّل الخلاف مع عون إلى خلاف مع المسيحيّين، الأمر الذي يتجنّبه الحزب.
السبب الثاني، لأنّ وصول عون إلى الرئاسة يعني تحقيقَه أحد أبرز أهدافه، الأمر الذي يُبطِل حاجته إلى الحزب ويجعله ينتهج، ربّما، سياسة جديدة بالانفتاح على كلّ القوى السياسية، كما إقامة علاقات متوازنة مع الخارج.
السبب الثالث، لأنّ الحزب يخشى من ردود فعل عون غير المتوقّعة والتي هي جزء من شخصيته، حيث يصعب تقدير كيفية تعامله مع كلّ القضايا على طول الخط، لأنّه يمكن أن يتّخذ مواقفاً تخالف تحالفاته نتيجة حدَث أو تطوّر معيّن.
السبب الرابع، لأنّ الحزب اعتاد على ميزان القوى الداخلي القائم ويفضّل استمراره، فيما دخول رئيس قوي على المعادلة يمكن أن يؤدّي إلى خَلط بعض الأوراق.
السبب الخامس، لأنّ الحزب يعتبر ضمناً بأنّ عون الرئيس يختلف عن عون المرشّح من زاوية أنّه لن يرضى بأن يكون رئيساً لإدارة الأزمة، بل سيسعى لتحقيق اختراقات وطنية ليميّز نفسَه عن غيره ويثبتَ بأنّه قادر على التغيير، الأمر الذي لا يستسيغه الحزب، كونه يخشى بأن تكون هذه الاختراقات على حسابه.
وفي موازاة ذلك، لا يُبدي «حزب الله» ارتياحاً إلى التبريد السياسي الذي اعتمدَه عون مع خصومه بدءاً من «المستقبل» وصولاً إلى «القوات»، وبالتالي على الرغم من أنّه يضع السياسة التي يتبعها حليفه المسيحي في الخانة الرئاسية، ولكنّه لا يستبعد أن تكون نوعاً من بروفا عونيّة لممارسته الرئاسية التي ستجعله على مسافة واحدة من الجميع.
فالوضعُ الميثالي للحزب يكمن باستمرار الفراغ حتى إشعار آخر، فهو لا يريد أن يخسرَ عون إنْ بوصولِه إلى الرئاسة أو بوصول أحد المرشّحين غيره، وبالتالي يَحرص أن تبقى عقدة وصولِه مرتبطة بقوى 14 آذار، «المستقبل» حيناً و»القوات» أحياناً، لأنّه يصعب عليه قطع طريق بعبدا أمامه في حال موافقة 14 على وصوله.
ويبقى أنّ أكثر ما يتمنّاه الحزب اليوم هو ألّا يفضيَ الحوار القوّاتي-العوني إلى أيّ نتائج رئاسية عملية، لأنّه يخشى من تفاهم مضمَر مع جعجع برعاية أميركية-فرنسية-سعودية يُطلِق ديناميةً سياسية داخلية جديدة، فيما الحزب يعمل على إبقاء الأوضاع معلّقة بانتظار أن ينجليَ مصير المفاوضات الغربية مع طهران، فإذا تمَّ الاتفاق النوَوي يتمّ، بالنسبة إليه، تفويض طهران إدارة الملف اللبناني، فيختار الرئيس الذي يريد، وفي حال العكس يستمرّ الستاتيكو الراهن، ولذلك يفضّل الانتظار، فضلاً عن أنّه لا يُحبّذ ولا يرتاح إلى أيّ تفاهم بين عون وجعجع، لأنّه يعتبر أنّ رئيس «القوات» لا يمكن أن يُبرم أيّ تفاهم يصبّ في مصلحة «حزب الله» في لبنان.