آفات كثيرة ومتعددة يعاني منها العقل الإسلامي، لكن  أخطرها وأشدّها، فيما نعتقد، يكمن في استحالة الرأيّ الشخصي الى نصٍّ تاريخي يعصى على النقد والزلّل.

والرأي، بداهةً، يخضع لشروطٍ عديدة، ليس آخرها، شرطا الزمان والمكان، كما يخضع كذلك لتأثير الواقع الذاتي والموضوعي مما يحوّله الى وجهة نظر، قد تكون صحيحة، وقد لا تكون.

وبناءً عليه، يصبح الرأي حالة نسبية، ينطبق عليه، ما ينطبق على أي حالة من حالات الإبداع والنشاط الذهني الإنساني.

أمّا عند المسلمين، فالوضع مختلف ومجافٍ للمنطق، لأن الذهنية الإسلامية، الجانحة الى الجمود والتصلّب، ترفض بشكلٍ قاطع، أي نقدٍ قد يوجه الى عالمٍ من علماء المسلمين الكبار لأنها تعتبر، وبشكل ٍ يدعو للسخرية، أن آراء العلماء، جزءٌ لا يتجزأ، من المنظومة الفكرية الإسلامية، حيث يتم النظر الى آراء العلماء كما ينظر الى القرآن والسنّة.

ورغم الإدعاء الشكلي للشيعة، بفتح باب الإجتهاد، فيما يخصّ بعض الحالات، وخاصةً تلك التي لا تدخل تحت عنوان الثابت والمحكم، إلا أنهم لم يقدروا على تجاوز، ما يعتبرونه خطوطاً حمراء، كالأحاديث الصحيحة الواردة عن أئمتهم الإثني عشر حتى وإن كانت بعيدة عن منطق الأمور وطبيعتها.

هذه النظرة القاصرة، من جانب المسلمين، الى آراء كبار العلماء، هي التي لعبت، وما زالت تلعب، الدوّر السلبي الأكبر في عدم استيعاب وهضم التطور الكمّي والنوعي الكبير، الذي شهدته الحضارة الإنسانية في مختلف ميادينها الفكرية والمادية والقانونية والحياتية.

فبدل أن يقتفي المسلمون، مواطن الخلل والزلل في منظومتهم، وبدل أن يعملوا على تنقية هذه المنظومة من كلّ ما يرذلها ويشوهّها، نراهم (بالعكس) يعمدون الى تبرير هذه الأخطاء متوسلين في ذلك مجموعة ضخمة من الأدوات المعرفية كالتأويل والتفسير والشروح، التي لا يتقبلها عقل ولا منطق.

هذا الموقف (الذهني والنفسي) اللاعقلاني، سيأتي بمفعول عكسي سيؤدي الى نتائج وخيمة قد تطال الدين نفسه.

فنقد الدين والأساطير الدينية، هو الشرط الأولى لكل نقد، وبدون ذلك، سيتحوّل الدين الى مجموعة من الأساطير والترّهات والقصص التي لا تسمن ولا تعنِ من جوع.

وعليه، فإن مجتمعاتنا الإسلامية، مدعوّة اليوم وبإلحاح، إلى مراجعة وشطب الكثير من الأمور الزائفة، المستهجنة، الدخيلة على الإسلام، وذلك بغية العودة به الى أصالته وحيويّته، وفي ذلك فقط ، فليتنافس المتنافسون.