أصدر الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، بعد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، بياناً دعى فيه إلى قتل وصلب وقطع أرجل وأيدي إرهابيي داعش، وهذا البيان يستخدم نفس الأسلوب الذي يلتجأ بها الجماعات اإرهابية من أجل تبرير أعمالهم الإجرامية تحت غطاء ديني.
يستند الإمام الأكبر في هذا الحكم إلى الآية التي أوردها القرآن الكريم : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
وهكذا بات من الواضح بأن مرتكز حكم الشيخ الطيب، هو نفس ما يتركز عليه جماعة داعش الخبيثة الإرهابية، وهو ابتناء الإرهاب على النص الديني المقدس.
هذا وفي وقت سابق، بادر الإمام الأكبر بحرمة التكفير وحرمة دم المسلمين ورفض التمثيل وقطع أعضاء القتلى وما شابه ذلك من الجرائم البشعة التي ارتكبتها متطرفون في الأراضي السورية.
لا شك في أن ما يرتكبه الجماعات الإرهابية، من الأعمال الوحشية -ولا البربرية كما جاء في بيان الأزهر، لأن البربر، براء من تلك الأعمال وهم موجودون في بعض البلدان المغرب العربي، وليسوا وحوشاً فحسب، بل، كثير منهم مضطهدون- تنافي الشريعة الإسلامية، والدين الحنيف، ولكن يجب معالجة تلك الأعمال، في سياقاتها التاريخية والسياسية ومواجهتها من المنطلق الثقافي، كما يجب دراسة النص الديني بنفس المنهج ولا بالمنهج النصي الذي يقتصر على المفردات ويلغي السياقات التي، تعطي المعنى الصحيح للنص.
فإن إخراج النصوص، من سياقاتها التاريخية والمجتمعية، والإقتصار على ظواهرها، يجر النصوص إلى ما لا يحمد عقباها، فضلاً عن أن تلك الآية التي يشير إليها البيان، بصدد بيان حكم الذين يحاربون الله ورسوله، بينما نعلم بأن الجماعات اإرهابية من أمثال داعش وجبهة النصرة، لا يريدون محاربة الله وروسوله، بل يدعون بأنهم ينصرون الله ورسوله ويطبقون الشريعة الإسلامية، فإنهم يطبقون حد السرقة والزنا وما إلى ذلك من الحدود. فكيف يمكن تطبيق عنوان محاربة الله والرسول عليهم.
نعم إنهم إرهابيون، وبل هم خوارج، من نفس الفئة التي حاربت الإمام على بن أبي طالب وقاتلهم الإمام، بعد ما لم ينتصحوا ولم يكفوا عن أعمالهم الإرهابية، وعبر عنهم الإمام بأهل البغي.
وبما أنهم أهل البغي، يجب التصدي لهم، والعمل من أجل توعية المنخدعين منهم، عبر حملة ثقافية شاملة، وليس إصدار بيانات عاطفية واستخدام النص الديني لخدمة الحكومات.
ويبقى السؤال التالي مطروحاً: لما ذا يستخدم الأزهر، موقعه الديني، بإصدار بيان عاطفي، من أجل إرضاء دولة خسرت طياراً، حرقته جماعة داعش الإرهابية، بينما سبق لتلك ألجماعات وأن ذبحوا صحافيين، وشقوا صدور قتلى، وأكلوا أكبادهم، وأطلقوا سوق الإماء بعد أسر الإيزيديات، فهل حدث شيئ جديد يستحق معالجة جديدة؟
نعم إنهم ومنذ سنوات يعيثون في الأرض الفساد، وما يتذرعون بها من الشريعة الإسلامية، مجرد حجج واهية، ويجب التصدي لهم بأي شكل ممكن، وليس عبر استخدام النصوص الديني ومصادرتها لصالح حكومات هنا وهناك.
بيان الأزهر الجديد، يعطي مبرراً لتلك الجماعات، في استخدام النصوص الدينية أينما يشاءون، بينما المنهج الصحيح هو وضع النصوص الدينية، في سياقاتها التاريخية وعدم إخراجها من تلك السياقات، في ظل افتقاد أي مصدر معصوم لفهم النص ولتطبيقه.
وأخيراً إن الجرائم التي ترتكبها داعش والنصرة، من القتل والحرق والذبح وشق الصدور وتهجير المدنيين، مدانة لدرجة لا تحتاج إلى استهلاك النصوص، خاصة عند ما يؤدي إلى انتهاج المنهج الذي ينتهجه تلك الجماعات.