ما قامت به الحركة الإسلامية "داعش" من إحراق للأسير الأردني الطيَّار "معاذ الكساسبة" أثار أسئلة كثيرة حول جواز الحرق في الفقه الإسلامي ، باعتبار أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية ينسب نفسه إلى التيارات الجهادية الإسلامية التي تعتمد بشكلٍ أساسيٍ على فقه "ابن تيميَّة" التي جاء نصها: "فأمَّا إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع"...وهذا نتيجة للروايات والنصوص الدينية..وفي متابعتنا للتاريخ الإسلامي نرى بأنَّ التجربة قد كشفت لنا عن حالات "الأسر" وطبيعة الإقتصاص منها وفق مشروعيات يشخِّصها الحاكم الإسلامي..وما تحدثنا السيرة التاريخية في زمن النبي (ص) قد نفذ حكم القتل في الأسير...منها : حادثة "الأسير النضر بن الحارث" وقد أرسلت أخته "قتيلة بنت الحارث" تعاتب النبي محمد (ص) في قتل أخاها وإتصال نسبه به " فقالت: أمحمدٌ يا خير صنو كريمة / في قومها والفحل فحلٌ مُعرق..
ما كان ضرَّك لو مننت وربما / منَّ الفتى وهو المَغيظ المحنق...
والنظر أقرب من أصبت وسيلة / وأحقهم إن كان عتق يعتق...
ظلت سيوف بني أبيه تنوشهُ / لله أرحام هناك تَشقق....
فتقول الرواية إنَّ النبي (ص) بكى وقال : لو سمعتها قبل اليوم ما قتلته....والنبي (ص) هو من لا ظِنة في عدله ولا ريبة في حكمه.....كما أنَّ النص الديني يُتيح المُقاصصة والعقوبة بالمثل كما يفهم من الآيات الكريمة منها : "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" وقوله تعالى : " واعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم " ومنها " وكتبنا عليهم أنَّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأُذُن بالأُذّن والسِنُّ بالسّنِّ والجروح قصاص فمن تصدَّق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"....
بالعودة إلى الرواية القائلة " أفحش الظلم ظلم المُستسلِم" يمكن أن نفهم أنَّ الأسرى على قسمين: منها : أنَّ هناك من تمَّ أسره من خلال إستسلامه بملئ إرادته نتيجة لأسباب عديدة.. ومنها : أنَّ هناك من تمَّ أسره بالقوة وإلقاء القبض عليه من دون أن يساهم ويسهم هو نفسه بعملية الإستسلام ... من خلال هذا قد يكون مدلول هذه الرواية ناظرة إلى الأسير الذي تمَّ أسره من خلال إستسلامه وليس من خلال القوة والإكراه...
بعد هذه اللمحة الموجزة يبدو من خلال ما تقدَّم أنَّ التجربة الإسلامية بما حملت بهذا الخصوص تُسهم بشكلٍ أو بآخر في توفير الأسباب الموجبة لهذه الجماعات في تنفيذ عقوبات بحق الآخرين المختلفين معهم سواء كانوا أسرى أم غير أسرى..فمن وجهة نظر "داعش " أنها أقامت دولة إسلامية وعلى رأس هذه الدولة "الخليفة " الذي يشخِّص الأحكام والموضوعات ويتخذ الإجراءات الشرعية المناسبة كما هو معمولٌ به في الأحكام السلطانية الإسلامية