لم يحجب انعقاد الجولة الخامسة من جولات الحوار الجاري بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» في مقرّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في عين التينة، مساء امس، تصاعُد الأجواء المأزومة بين الفريقين خصوصاً ومعسكريْ 14 آذار و8 آذار عموماً، عقب التطورات التي شهدها لبنان اخيراً ولا سيما منها أصداء الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي.
ومع ان انعقاد جولة الحوار شكّل إثباتاً قوياً على القرار السياسي لدى قيادتيْ «المستقبل» و«حزب الله» بالاستمرار في الحوار مهما نشأ من صعوبات، فان ذلك لم يقلّل من حساسية الوضع الناشئ عن المعطيات الميدانية والسياسية للعملية التي قام بها «حزب الله» اخيراً في مزارع شبعا، والتي أتبعها زعيمه بما يشبه النعي الضمني لالتزامه القرار 1701.
وقبيل انعقاد جولة الحوار الخامسة بين الفريقين، قالت مصادر بارزة في قوى 14 آذار لـ «الراي» (وهي مؤيدة لاستمرار الحوار مع الحزب) انه لم يعد خافياً ان ثمة انقساماً داخل كتلة «المستقبل» النيابية حول المضي في هذا الحوار او وقفه، ولكن ثقة الكتلة بقرار الرئيس سعد الحريري وخلفياته في المضي بهذا الحوار هي التي تظلّل هذا الانقسام في النهاية، اذ يبدو واضحاً ان الحريري عندما وافق على بنود الحوار التي تستبعد البحث في الملفات الخلافية الكبيرة، مثل التورُّط في الحرب السورية وسلاح المقاومة والمحكمة الدولية، كان يدرك ان الخط البياني لهذا الحوار لن يتجاوز أموراً تفصيلية محدودة، في السعي الى تنفيس الاحتقان السني الشيعي، وليس اكثر من ذلك. وتبعاً لذلك، لم يصل تأثر المسار الحواري بخطاب نصرالله الى حدود قطع الحوار، في حين ان المسألة الأكثر سخونة التي يرجح انها اثيرت في الجولة الخامسة، تتعلّق بإطلاق الرصاص بغزارة على أيدي مناصري «حزب الله» الجمعة الماضي إبان إلقاء نصرالله خطابه، الامر الذي روّع سكان العاصمة بيروت، وهي نقطة اساسية لجهة ان اغراق بيروت بإطلاق الرصاص لأكثر من ساعتين أعاد اثارة الحساسيات والاحتقانات المذهبية والسياسية مما أعاد الحوار الى نقطة الصفر.
اما العامل السلبي الآخر الذي لفتت إليه المصادر نفسها، فتَمثل بالكلام المنسوب امس الى مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي لجهة انه سمح للحرس الثوري الايراني بنقل مقاتلين ايرانيين الى لبنان وسورية والعراق فقط. وهذا العامل سيلعب دوراً اضافياً في تصعيد الاحتقانات اللبنانية خصوصاً بين «حزب الله» وخصومه السياسيين لانه يشكل إثباتاً اضافياً على ان «حزب الله» يلتزم أجندته الاقليمية الايرانية بالدرجة الاولى فيما تحاول ايران ترسيخ الانطباع عن ان لبنان الى جانب دول اخرى في المنطقة بات تحت نفوذها.
وتخشى المصادر ان تكون التصريحات الايرانية في هذا الصدد بمثابة تلويح بالورقة اللبنانية من جانب طهران لزجّها في معترك سعيها الى توافق مع الولايات المتحدة على تقاسُم النفوذ في المنطقة، ولكن من شأنها ايضاً ان تزيد أخطار توريط لبنان في مواجهات اكبر مع التنظيمات الارهابية التي تأخذ لبنان بجريرة تورط «حزب الله» في سورية.
ورسمت هذه المصادر علامات شكوك متعاظمة حيال تصريح المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية والذي قد يخشى منه تحفيز التنظيمات الارهابية على وضع لبنان كأولوية أمنية لها من شأنها ان تستتبع مزيداً من محاولات الخرق للحدود او تكثيفاً لمحاولات استهداف الجيش بعمليات ارهابية.
في موازاة ذلك، وعلى وقع إيعاز وزير الداخلية نهاد المشنوق للقوى الأمنية والمحافظين إطلاق عملية نزع الشعارات واللافتات والصور الحزبية على طول الخط الساحلي من صيدا حتى طرابلس بدءاً من يوم غد على ان تمتد الى بيروت ومناطق أخرى، لفت الاعلان انه بناء على احالة كل من وزير العدل اللواء اشرف ريفي والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، سطر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، استنابات قضائية للتحري عن الاشخاص الذين اطلقوا الرصاص في الهواء تزامناً مع خطاب السيد نصرالله والبحث عنهم وتوقيفهم وسوقهم الى دائرته.
ولم تحجب هذه العناوين الأنظار عن بدء مدير دائرة الشرق الاوسط وافريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا جيرو مهمته في بيروت التي تتركز على استيضاح مغازي الكلام الاخير للسيد نصر الله عن تغيير قواعد الاشتباك مع اسرائيل وانعكاس ذلك على القرار 1701 واستكمال استكشاف آفاق الملف الرئاسي وسط اقتناع اوساط سياسية بان هذا الملف ما زال امام «حائط مسدود» لاعتبارات اقليمية بالدرجة الاولى، مشيرة الى ان طهران ليست في وارد تقديم اي تنازلات توضع في «رصيد» باريس التي تأخذ ايران عليها دورها المتشدّد في الملف النووي وفي قضايا اخرى بينها الأزمة السورية.
وفيما كانت بيروت ترصد حركة جيرو، يُنتظر ان ينتقل المناخ السياسي «المكهْرب» الى جلسة مجلس الوزراء اليوم التي يُتوقع ان يثير خلالها عدد من وزراء قوى 14 آذار عملية مزارع شبعا المحتلة وخطاب السيد نصر الله ومعانيه وإن بـ «ضوابط»، في ظل تقارير كشفت ان رئيس الحكومة تمام سلام بات «يفكّر جدياً» بتعديل الآلية المتبعة راهناً في التصويت داخل مجلس الوزراء والتي حوّلت كلاً من الوزراء الـ 24 في غمرة الفراغ الرئاسي الى «رئيس جمهورية»، مشيرةً الى اتصالات لاستكشاف امكان اعتماد آلية تصويت تقوم على حصر الإجماع بالمسائل الميثاقية التي تحتاج إلى توافق وطني شامل، بينما يتم الالتزام بالنصاب الدستوري الملائم في ما يتعلق بالقضايا الأخرى لناحية الحاجة في إقرارها إلى النصف + 1 أو الثلثين من أعضاء الحكومة.