اعتقل نضال من ساحة جامعته (جامعة البعث ) في حمص بتاريخ 14/ابريل /2011، تم اقتياده بعد أن غطوا عينيه ، ونزعوا منه هويته و جهاز اتصاله، وقد بدأ استقباله منذ لحظة اعتقاله بالضرب و اللكمات على جسده إلى حين إيصاله إلى فرع المخابرات الجوية في حمص حتى إنهاكه.

وهنا يتحدث "نضال": بقيت يومين في المنفردة، ثم نُقلتُ بعدها إلى مهجع صغير يضمُّ مايقارب أربعمائة معتقل، بينهم أطفال لم يتجاوزا الرابعة عشر، وكبار سن، علّمتْهم التجربة الطويلة في العزلة، الصمت. كنتُ أضطرُ الوقوف لثلاثة أيامٍ على قدمَي، لأحصل على ثلاث دقائق، أجلس فيها القرفصاء.

مضى شهر على اعتقالي، كان برنامجي اليومي خلالها: ضربي على أسفل القدمين "فلقة" بواسطة أنابيب معدنية وأكبال كهربائية، وجلساتٌ متتالية على "الشبح"، (كانوا يعلقونني من ذراعَي الموثقتين خلف ظهري، وينهالون بالضرب على كل سنتيمتر من جسدي، بعصا معدنية ذات نهاية مفتوحة وحادة، والجنازير المعدنية الغليظة).. 

رغم الألم الكبير الذي كنتُ أتعرض له في كل لحظة قضيتُها في المعتقل، كانت نوبةٌ ضحك تقتحمني حين يأخذني السجان لجولة تعذيبٍ جديدة ، فقد حفظتُ ما سيحصلُ لي واعتدتُ عليه، وأعلم أنني سأعود مخدر الجسد، منتشياً بنصر جديد؛ إنني تحمّلتُ وعشتُ يوماً آخر !

بعد مرور شهر، وبعد أن اعتاد "نضال" على أساليب تعذيبهم بالفلق والشبح ، عادوا الجلادون إليه بطرق جديدة تيقظه من كابوسه مرة أخرى ، ويردف نضال قائلاً : (بُت أعرف ما أنا ذاهب إليه يومياً، لكن في ذاك اليوم غيّر السجان طريقي وقادني إلى غرفة كبيرة وفارغة وهرول مسرعاً (هنا راودني شعور بالافراج و الحرية للحظات) لكن أرض الغرفة المصفحة بالمعدن وصعقة الكهرباء التي سرت من أسفل قدمييّ إلى رأسي أيقظتني من حلمي الصغير ، وصرت أركض بالغرفة ذهاباً و اياباً أملاً أن تخف مواجع الصعقة الكهربائية إلى أن ارتميت أرضاً على ظهري ، فزادوا من شدة الكهرباء حتى أغمي عليّ و صحيت في المهجع وصوت رفاقي المعتقلين حولي وهم يطمئنون على صحتي ).

من ألبوم المعتقل يتحدث نضال عن تجارب زملائه:
لم يكن الآخرون بحال أقضل، كانوا ينالون ما أناله من العذاب، وربما أكثر؛ تُقتلع أظافرهم، يموت بعضهم من شدة الألم دون أن نفعل له شيء ، ويموت رجل مسن إثر جلطةُ مفاجئة.

أحدهم كان "متّهماً" بالانتماء "للجيش الحر"، ربطَ السّجان مثانته بخيطٍ متين، وأجبَره على شرب كميات كبيرة من المياه، ومنعه من دخول الحمام، ظلّ محشوراً في زاوية المهجع ليومين، إلى أن انفجرتْ مثانته ومات أمام دهشتنا وانتشاء السجان! أخذوا الجثة بعدها إلى مكانٍ مجهول. (مات من كثرة الماء، ونحن قد نموت من العطش !)، قلتُ في سّري.

الكثير من المعتقلين تعرَّضوا للاغتصاب، وبشتى الأساليب. وضعوا علب "كولا" ، في مؤخرة الكثيرين، بعضهم مات من النزف والألم. طفلٌ آخر، كان يعود إلى المهجع يومياً وهو يبكي؛ كنا نشاهدُ بقع دم و آثار المادة السائلة على ثيابه!

وعجوزٌ في السبعينات من عمره، دخل المعتقلَ شاباً، بتهمة سرقة دراجة هوائية على طريق حمص- حماه، منذ العام 1983. وشابٌ كان "يتسلَّى" السجان بقلع أظافره يوميّاً، إلى أن انتهى منها جميعاً، فتورّمتْ أطرافه، واقتادوهُ، أيضاً، إلى مكان مجهول، لم يعد منه أبداً ! 

التحرش الجنسي :
بعض اللحظات كانت كافية لتعيد شريط الذاكرة إلى حيث الهاوية الأشد قتامة من إرث المعتقل؛ تلك اللحظات التي كنتُ أقفُ فيها أمام عدد من "رجال الأمن" مع معتقل آخر لم يبلغ الثامنة عشر من العمر. نزعوا عنّا ملابسنا ثم أغمضوا عيني، وأجبروا الشاب على تحسس جسمي ولمس أعضائي والتقرب منها، ثم أجبروني على اغتصاب الفتى. قاتلتُ وأنا مقيّدٌ لمنع حدوث هذا، ما دفع "رجال الأمن" للانقضاض علي، وضربي حتى أُغمي علي، إقتادوني حينها إلى زنزانة منفردة، مظلمة، بائسة، قضيتُ فيها يومين، دون طعام أو شراب.

بعدها ألقوني في زنزانة أخرى، فيها ستة معتقلين. غرفة صغيرة مجهّزة بصفائح معدنية، يصعقون الأرضية من تحتنا بالكهربا، ونحن نسمعُ صيحات المعتقلين في الزنزانة المجاورة وتارة نسمع أصوات كلاب شرسة تنبح خلف باب زنزانتنا، وكنا نسمع أيضاً أصوات اطلاق رصاص قريب كانوا يستخدمون مكبرات صوتية وأصوات مسجلة لاستخدامها لترهيبنا .

الافراج عن "نضال" 
بعد 7 أشهر من الاعتقال وحرمانه من اكمال تعليمه، وفي تأنٍّ مُتعمَّد، بدأ أحد الضباط في فرع "المخابرات الجوية" بحمص بقراءة ملف نضال، ومرَّ على الاسم: "نضال" العمر "(23) "التهمة "مشاركة في المظاهرات"، الجنسية "فلسطيني سوري"!

يقول (نضال): "حدّق بسخطٍ في جسدي المتهالك، ثم صارخ فجأة:(متشاغب لك حقير؟! (...) بأكبر راس فيكن من حماس لأبو عمار) ثم أخرجَ من دِرج مكتبه، شهادتي الثانوية، ومزقها بحنقِ: (لاجامعة بعد اليوم يا كر والجيش بانتظارك). وسلّمني بعدها بطاقتي الشخصية، وأشار لي بتهكّم: "اِذهب، أنت حر".

يتابع: "خرجت من السجن بشكل مقزز فشعري امتلأ بالقمل و ذقني لم أحلقها منذ شهور ، ركضت مسرعاً نحو اول سيارة أجرة رأيتها متشوقاً لرؤية أهلي ومكسوراً لهول المشاهد التي رأيتها وللتعذيب الذي تعرضت له، لم أصدق أنني خرجت حياً من هذا المذبح الواقع في حمص ويسمى (فرع المخابرات الجوية ).   المصدر: اورينت نت