الملف النووي وأمن اسرائيل

بعد أن اعتمدت ايران سياسة اللعب على الوهن العربي البنيوي , ودعم المكونات الشيعية في العالم العربي ضدّ الأنظمة العربية, والأطر السنُية الخارجة عن السياسة الرسمية للنخب السلطوية من حماس الى تنظيم القاعدة , ينتقل مدير تحرير مجلة السياسة الدولية مالك عوني الى معالجة تداعيات الاتفاق النووي بين ايران والمجموعة 5+1المؤقت باعتباره نقطة تحول جوهرية في مسيرة طويلة تعثرت مفاوضاتها في أكثر من مرّة , ونجحت أخيراً وبعد أشهر من المفاوضات السرية التي أعقبت انتخاب الرئيس الايراني الموصوف " بالمعتدل " حسن روحاني وذلك في يونيو 2013. وقد سبب الاتفاق صدمة لعدد من الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار ان الاتفاق لم يتضمن بنوداً لطالما تمسكت بها القوى الدولية الكبرى في مسيرة المفاوضات السابقة مع ايران ومنها : تخلي المجموعة 5+1عن شرط عدم تخصيب اليورانيوم داخل ايران اضافة الى القبول بمواصلة ايران بأنشطة التخصيب بما لا يتجاوز نسبة ال5% مقابل ضمانات بعدم توسع هذا البرنامج , أم زيادة تلك النسبة وصولاً الى مستويات تتيح عسكرة البرنامج وتحويله الى برنامج للتسلح النووي .

من هنا جاءت صدمة دول الخليج العربية من هذا التحول الجوهري في موقف القوى الكبرى عقب أشهر من المفاوضات التي لم تكن الدول الخليجية شريكاً فيها . وكانت الخشية الرئيسية الخليجية من هذا التحول تأسيساً لمرحلة جديدة بين ايران والقوى الدولية تهمش فيها مصالح دول الخليج لصالح تعاون أمريكي \غربي يعطي ايران دوراً أكبر في المنطقة وفي الواقع .ويعتبر مالك عوني أن الاتفاق ليس وليد أشهر المفاوضات فقط , وانما هو وليد توجه استراتيجي امريكي بدأ بالبروز في نهاية عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن نتيجة لاخفاقات التدخل الامريكي العسكري المباشر في كل من أفغانستان والعراق .

ويرى عوني أن التحول الجوهري في الموقف الامريكي وخاصة في المفاوضات مع ايران يعود الى تغير في هيكل مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية من خلال سعيها لاقتناص الفرصة البديلة المتاحة باتفاق مع ايران والمؤدي الى خفض عبء المواجهة معها .وقد استندت الرؤية الامريكية الى ركائز أساسية :

1-تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط على أولوية المصالح الأمريكية , بما يقلل من الحاجة لانخراط امريكا المباشر فيها , وما ينتج عن ذلك من تراجع جدوى تكلفة جهود احتواء مساعي ايران لمد نفوذها الاقليمي . وفي هذا الاطار , ترى الادارة الأمريكية في المزايا التي سيتيحها أي اتفاق مقيد البرنامج النووي الايراني فرصة خفض نزوع ايران لاستغلال ورقة تهديد اسرائيل كما كانت تفعل في مواجهة القوى الغربية والولايات المتحدة قبيل الاتفاق باعتبار أمن اسرائيل احدى أدوات الضغط .

2- امكانية توظيف النفوذ والتأثير الايراني في ادارة عدد من الصراعات المتفجرة في المنطقة والتهديدات الناشئة عنها , مثلما تم في اطار خبرة التنسيق الامريكي – الايراني لادارة الصراع السياسي المحتدم في العراق . ويبدو ان امريكا سعت في هذا السياق الى اتباع سياسة للتقييد المذهبي من خلال اتاحة مجال لتمكين قوى الاسلام السياسي السُنية , وتحديداً جماعة الاخوان المسلمين للعب دور أكبر في سياسات الدول العربية , انطلاقاً من الدول التي شهدت ربيعاً عربياً .

3- محاولة احتواء الدور الروسي في المنطقة من خلال تقليص دور روسيا في أي اتفاق نووي مع ايران . فبعد أن كانت روسيا تُطرح باعتبارها حلاً وسطاً بحيث يتم على أراضيها تخصيب اليورانيوم لمصلحة ايران , تم الاكتفاء بدور مرحلي لروسيا بما يتيح فقط تحويل جزء كبير من مخزون الوقود النووي الايراني المخصب بنسبة 20% الى وقود نووي مخصب الى ما دون 5% بما يصلح للاستخدام لأغراض انتاج الكهرباء في مفاعل بوشهر , وهو ما قبلته ايران بالفعل في اطار المفاوضات الأخيرة التي انتهت بتمديد أجل مفاوضات التسوية النهائية الى شهر يونيو 2015 . كما يمكن أن تتيح تسوية الملف السوري المحتدم , بالتوافق مع ايران , مزيداً من تقليص الدور الروسي في المنطقة .
المحرر السياسي