من الداخل وتحديداً من تحديث بنية الدولة، بدأ خادم الحرمين الشريفين ورشة عمل واسعة شملت كل القطاعات من السياسة الى الإقتصاد والأمن والتنمية والتربية. فعندما يصدر بعد أيام قليلة من تسلّمه السلطة، هذه الحزمة الكبيرة من الأوامر التي بلغ عددها اربعة وثلاثين، فمن الواضح تماماً، اولاً انه كان شريكاً أساسياً في الحكم منذ أيام الملك فهد، وثانياً أنه يرصد بدقة المفاصل الادارية التي تحتاج الى تحديث وتفعيل .
التعيينات الجديدة شملت تقريباً كل المناصب في الدولة إبتداء بالمستوى الوزاري ووصولاً الى المراتب الإستشارية والى المؤسسات العامة، وهو ما يوحي بثلاثة أمور مع بداية العهد:
أولاً - المسارعة الى ترشيق الدولة عبر حصر سياساتها الداخلية في مركزيّتين تقومان على مبدأ التعاون والمشاركة الواسعة في إتّخاذ القرارات، وفي هذا السياق تمّ إلغاء المجالس العليا الإثني عشر التي كانت تتولى رسم سياسات الدولة كل مجلس في مجاله وإختصاصه، وحُصِرت المسؤوليات بمجلسين واحد للشؤون السياسية والامنية والثاني للشؤون الإقتصادية والتنموية، والواضح ان هدف هذا التعديل هو تسريع إتّخاذ القرارات ومنع مؤسسات الدولة من الوقوع في الترهّل.
ثانياً - الترشيق تجاوز دورة وآليات إتّخاذ القرار في مؤسسات الدولة، الى ما هو أعمق وأهم عندما تمّ إيلاء رئاسة المجلسين الى إثنين من الأمراء الشباب بما يشكل نقلة أولى للحكم الى الجيل الثالث، فقد تولّى رئاسة "مجلس الشؤون السياسية والأمنية" الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وتولّى رئاسة "مجلس الشؤون الإقتصادية والتنموية" الأمير محمد بن سلمان رئيس الديوان الملكي مستشار خادم الحرمين الشريفين وزير الدفاع.
ثالثاً - إطلاق دينامية شبابية في كل مؤسسات الدولة وإداراتها من خلال تعيين عدد من المسؤولين الشباب، بما يتلاقى في الوقت عينه مع بداية تولّي الجيل الثالث من الأمراء ليس المناصب العليا في هرم السلطة فحسب، بل إدارة سياسات المجلسين المذكورين اللذين سيرسمان السياسة العليا للدولة في كل المجالات.
ليس خافياً ان مسارعة خادم الحرمين الشريفين الى وضع قراراته موضع التنفيذ، توحي بأنه لا يحمل برنامجاً متكاملاً لعهده فحسب، بل رؤية لمستقبل الدولة السعودية، ومن الواضح في نظر معظم المراقبين ان روزنامة برنامجه تقوم على التحديث والتفعيل، من خلال ضخّ روح الشباب في السلطة والدولة وان التعيينات التي صدرت ليست كل أبجديته .
يفاخر الملك سلمان بأن نسبة ٤٧ ٪ من السعوديين هم من الشباب دون الثلاثين، ولهذا يرى ان على الدولة ان تكون شابة تنبض بالحيوية، فهل ان ترشيق الهيكل الإداري للدولة هو مقدمة لترشيق السياسات الداخلية في السعودية؟