يُصرّ جزء من اللبنانيين على تحميل اللاجئين السوريين إلى لبنان مسؤوليّة كلّ تدهور أمني واقتصادي واجتماعي يعيشه البلد. وصل الأمر بالوزير السابق والقيادي في التيار الوطني الحرّ، نقولا صحناوي، إلى اتهام السوريين برفع مستوى الجريمة في الأشرفية، إحدى مناطق بيروت. أما وزير الخارجية جبران باسيل ، فطالب بتحديد النسل للاجئين السوريين.
في الوقت عينه، لا يشعر العديد من اللبنانيين بالأمان في بلدهم. هناك شعور عام بافتقاد الأمن، وغياب سلطة الدولة، وعدم الثقة بالأجهزة الأمنية. لكن الأرقام الرسميّة الصادرة عن قوى الأمن الداخلي تقول عكس ذلك. فقد حصلت "العربي الجديد"، من شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، على إحصاءات مفصلة لمعدلات الجريمة في لبنان منذ عام 2011 (تاريخ اندلاع الثورة السورية وبدء توافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى لبنان) حتى الفصل الثالث من 2014. إحصاءات تكذّب الأسطورة العنصرية المتداولة على صعيد واسع من اللبنانيين، على اختلاف مذاهبهم، وتصل إلى حد تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية رفع نسب الجريمة على اختلاف أصنافها في البلاد. أكذوبة تغذّيها وسائل إعلام تدرك أن جمهورها متعطّش لتغذية الرواية التي تحمّل "الغريب" و"الأجنبي الفقير" تبعات كل مصائب البلد، فضلاً عن طبقة سياسية تستسهل فئة لا وجود لأي مُدافِع عنها، لا دولة ولا سفارة ولا أحزاب، باستثناء عدد محدود من الجمعيات غير الحكومية، الوطنية والأممية، التي تُعنى بشؤون اللاجئين.
الأرقام تتحدث
اللافت في هذه الأرقام أن نسبة الجرائم المرتكبة من قبل لبناني بحق لبناني، كانت 80 في المائة عام 2011، وتدنت إلى 66 في المائة عام 2014 (لكن ارتفع عدد الجرائم). أمّا الجرائم المرتبكة من قبل سوري بحق سوري، فقد بلغت النسبة 5 في المائة عام 2011، ثم ارتفعت إلى 12 في المائة عام 2014. أمّا الجرائم التي ارتكبها لبناني بحق سوري فقد ارتفعت النسبة من 2 في المائة عام 2011، إلى 9 في المائة عام 2014، فيما انخفضت نسبة الجرائم التي ارتكبها سوري بحق لبناني من 6 في المائة عام 2011 إلى 5 في المائة عام 2014، رغم الارتفاع الكبير في عدد اللاجئين السوريين الذي يُقدَّر اليوم بحوالى المليونين، في بلد عدد سكانه يناهز الخمسة ملايين فقط.
بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، فإن عدد الجرائم المرتكبة عام 2010 (من دون جرائم القتل) بلغ 4425 جريمة، ثم ارتفع الرقم عام 2011 إلى 5938 جريمة، ووصل إلى 6861 عام 2012، وبدأ هذا الرقم بالتراجع عام 2013 ليبلغ 6600، واستمر التراجع عام 2014 ليبلغ الرقم 5167 جريمة.
في قراءة سريعة لهذه الأرقام، يظهر أن عدد الجرائم يتأثر بالواقع السياسي في لبنان أكثر منه بارتفاع معدلات اللجوء السوري. ففي عام 2012، عاش لبنان في ظلّ وضع أمني غير مستقر، بلغ ذروته مع اغتيال رئيس فرع المعلومات، اللواء وسام الحسن، في أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام. واستمر الوضع على هذه الحال حتى استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق، نجيب ميقاتي، في مارس/آذار 2013، ومن ثم تكليف تمام سلام بتشكيل الحكومة. فمع دخول لبنان مرحلة التسويات السياسيّة بين حزب الله وتيار المستقبل، تراجع معدّل الجريمة في البلد في اعام 2013، واستمر التراجع بشكلٍ أوضح عام 2014.
وعند الدخول في تفاصيل هذه الجرائم، يظهر أن التراجع الأبرز في الجرائم بين 2013 و2014، هو في خانة سرقة السيارات. فقد سُرقت 2248 سيارة عام 2103، مقابل 1112 عام 2014. ويعود سبب هذا التراجع إلى التركيز الأمني، الرسمي والحزبي، على محاربة سرقة السيارات، خصوصاً بعد أن تبيّن أن أغلب السيارات التي استخدمت في العمليات الانتحارية في لبنان مسروقة سابقاً.
كذلك يظهر تراجع كبير في جرائم النشل، من 1100 عام 2012، إلى 546 عام 2014، ويعود هذا الأمر إلى تركيز القوى الأمنيّة على الدراجات الناريّة المخالفة، والتي غالباً ما تُستخدم في هذا النوع من الجرائم.
جرائم القتل
سجّل لبنان ارتفاعاً بجرائم القتل منذ عام 2011، الذي سُجّل فيه حصول 67 جريمة، ثم ارتفع الرقم إلى 89 جريمة عام 2012، فـ 140 جريمة عام 2013، واستقر العدد على هذا الرقم في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014. اللافت هو أن النسبة الأكبر لهذه الجرائم تُسجّل عادة في جبل لبنان، حيث يعيش العدد الأكبر من سكّان لبنان، لكن هذه المحافظة تخلّت عن الصدارة في عام 2014، حيث تصدّرت منطقة البقاع هذه النسبة. وأقلّ نسبة في السنوات الأربع سُجلت في الجنوب.
يُذكر أن قوى الأمن لم تذكر قتلى الاشتباكات التي يعود سببها إلى خلافات سياسيّة في هذه الإحصاءات. وقد تبيّن أن النسبة الأكبر من جرائم القتل تحصل بشكل فوري، خلال الإشكالات الفردية، أي بسبب خلاف على أفضلية مرور أو موقف سيارة، والمعدل الوسطي لهذه النسبة على مدى أربع سنوات هو 35 في المائة. أمّا السبب الثاني فهو "مجهول".
وبحسب رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، المقدم جوزف مسلّم، فإن جزءاً من القتلى الذين يتم إيرادهم في هذه الخانة، هم ضحايا حالات انتحار، فضّل أهلهم تسجيلها في خانة جرائم القتل لأسباب دينية واجتماعية.
جرائم السوريين: الإحصاءات تبرئهم
ارتفع عدد الموقوفين السوريين لدى قوى الأمن الداخلي بشكلٍ كبير منذ عام 2011، إذ بلغ عدد الموقوفين في ذلك العام 1682 موقوفا، وارتفع العدد إلى 2550 شخصا عام 2012، وإلى 3778 عام 2013، ثم إلى 5726 عام 2014. للوهلة الأولى، تفيد هذه النظرة إلى الأرقام بأن هناك ارتفاعاً حاداً بالجرائم المرتكبة من قبل هؤلاء الموقوفين. لكن التفصيل الذي تورده إحصاءات قوى الأمن يبرىء ساحة السوريين المقيمين في لبنان.
معدل جريمة منخفض
الأمر الآخر المثير، عند قراءة إحصاءات قوى الأمن الداخلي للجرائم في لبنان ومقارنتها بالنسب المئوية العالمية، يظهر جلياً أن لبنان يُعدّ بلداً آمناً على مستوى الجرائم التقليديّة. وفيما لو تم وضع الاشتباكات ذات الطابع السياسي ــ المذهبي جانباً، لكان لبنان من أفضل الدول للعيش فيها عالمياً لناحية نسب الجريمة.
وبحسب الأرقام التي يذكرها موقع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن معدل جرائم القتل لكل مائة ألف شخص هو 6.2 عالمياً، و3 في أوروبا لعام 2013. أما في لبنان، فتبلغ النسبة 2.8 لعام 2013، في حال احتسبنا أن عدد سكان لبنان هو خمسة ملايين نسمة. أما إذا أضفنا عدد اللاجئين السوريين في عام 2013، واعتبرنا أن عدد السكان بات 6 ملايين نسمة، وهو الرقم الذي يعد الأكثر منطقياً (بسبب غياب الإحصاءات الرسمية لعدد السكان في لبنان)، فإننا أمام معدّل جريمة يصل إلى 2.3 لكل مائة ألف نسمة وهو أقلّ من المعدّل العالمي بكثير. يُذكر مثلاً أن المعدل في روسيا هو 9.2 جريمة لكل مائة ألف نسمة (سُجل وقوع أكثر من 13 ألف جريمة قتل عام 2011)، ويصل في الولايات المتحدة إلى 4.7 لكل مائة ألف نسمة (سجّل وقوع أكثر من 14800 جريمة قتل عام 2011).