أعادت عملية حزب الله في شبعا المقاومة الى حيث انتهت اليه من جهة معنيّة بالاحتلال الاسرائيلي الى جهاز فاعل داخل وخارج الاقليم لصالح حسابات سياسية غير لبنانيّة لأن الاجماع اللبناني غير متوفر في أدوار الحزب على المستوى الاستقواء بالسلاح على لبنانيين وعلى مستوى التدخل في سورية لصالح مصالح ايرانية وخدمة لنظام سوري خدم الحزب في أواخر أدوار المقاومة ضدّ العدو الاسرائيلي .
لقد فلح الحزب في المقاومة رصداً وكميناً وتنفيذاً وصموداً وانتصاراً ووفر تجربة مهمّة في ادارة العمل المقاوم وفق حسابات وتوازنات دقيقة حفظ فيها ما اكتسبه من أوسمة لبنانيّة وعربية واسلامية جعلته في مكانة استحق شهداؤه وبجدارة . ومع هبوط دوره كمقاومة ضدّ الاحتلال وخروجه المباشر على الربيع العربي وبمضمونه السوري خسر حزب الله في السياسة ما ربحه في معركة الكرامة الوطنية ضدّ المحتل الاسرائيلي وأصبح طرف طائفي محاصر بمخاصمة طائفية ومذهبية أسقطت أسطورته وحولته من بطل تاريخي الى عدو وجب قتاله بحسب فتاوى شيوخ السلفية الجهادية .
لو أن حزب الله يملك في السياسة ما يملكه في العسكر لكن حزب الله فعلاً ولبقي في نظر القائلين بذلك الأنموذج والتجربة الريادية والملهمة لحركات التحرر الوطني وبصيغها العقائدية والايديولوجية لأنه قدّم تجربة ناجحة في مقاومة تمكنت من اخراج المحتل في ظل حماية اقليمية ودولية له ولما تحول الى جهة مصطفة في استراتيجية دولة تبحث عن دور متحكم ومسيطر على سياسات منطقة الشرق الأوسط .
في العودة الى عملية شبعا ثمّة عودة مفتعلة الى لعب دور المقاومة للردّ على الاسرائيلي الذي استهدف حزب الله أكثر من مرة في سورية والذي تطاول على ايران من خلال استهدف جنرال في الحرس الثوري والذي سهل للمعارضة السورية وصولاً آمناً الى تخوم الحدود اللبنانيّة من ناحية شبعا لاستنزاف الحزب على جبهة مترامية الأطراف وللتأثير المباشر على أمن اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً .
لقد قرأ الاسرائيلي حزب الله بطريقة مغلوطة عندما استهدفه في الجولان السوري اذ ظنّ العدو أن الحزب في حالة لا يستطيع فيها الردّ على العدوان نتيجة لحاجة حزب الله الى جبهة مرتاحة بعد أن دخل الملفات الساخنة في العالم العربي .كما أن حزب الله قرأ العدو بطريقة تبدو حتى الآن قراءة صحيحة عندما ردّ على عدوان الجولان بعملية مدروسة جيداً في شبعا في ظل ظروف اسرائيلية مقيّدة لردود فعل بحجم معركة مفتوحة الأبعاد ولكن تبقى تحذيرات نتنياهو الجدية تهديداً ثقيلاً على لبنان وامكانية مفتوحة على ظروف قد تحسّن من شروط معركة منتظرة لتصفية حسابات بأبعاد اقليمية .
ان عملية شبعا ستفتح من جديد الجدل بين اللبنانيين حول السلاح وقراريّ الحرب والسلم وبالتالي سيُحرج أكثر تيّار المستقبل أمام ما تبقى له من جمهور وأمام حلفائه مما يعني أن العملية وأن ربحت معركة سكوت اسرائيل حتى الآن فان معركة مضاعفات عملية شبعا وآثرها على اللبنانيين سيكون كبيراً جداً وسيزيد من تطرف طائفة تنظر الى الأمور من زاوية مختلفة جداً لأنها لا تضعها في سياق الصراع مع اسرائيل بل في سياق الرسائل المتبادلة بين جهات غير لبنانيّة ويبدو الحزب بالنسبة لها مجرد وسيط لا مقاومة تضرب أهداف مشروعة .
مما لا شك فيه بأن ما حصل أمس تهديد مباشر للقرار الدولي ال1701 وهذا ما سيجعل الحدود مفتوحة على خروقات متعددة تحت عناوين الردود التي ستتكاثر في المرحلة المقبلة لاستنزاف مهمة القرار الدولي وجعله غير صالح لتنظيم العلاقة بين لبنان والكيان الاسرائيلي .