إذا لم تحصل مفاجآت غير محسوبة، فلن يتطور الوضع جنوباً الى أكثر مما حصل اليوم. فقد رد الايرانيون و"حزب الله" على غارة القنيطرة بعملية مضبوطة جداً، ومحسوبة للغاية، تبقي منافذ التهدئة مفتوحة، لأنها تعيد ترتيب الأمور كما كانت قبل كسر الايرانيين و"حزب الله" معهم لمعادلة كانت قائمة، تقول إن إيران موجودة على جبهة الجنوب اللبناني وحده، ولا مكان على جبهة الجولان إلا لنظام بشار الأسد، وفي بعض المواقع قوات المعارضة السورية الملتزمة حتى الآن احترام "الستاتيكو" القائم هناك منذ 1974، يوم وقّع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد اتفاق فض الاشتباك مع الاسرائيليين، وظل الهدوء سائداً على جبهة الجولان لأكثر من أربعة عقود. وجود تحركات ايرانية مباشرة أو بواسطة "حزب الله" في الجولان غير المحتل اعتبر اختراقاً للخط الأحمر المرسوم، فكانت الغارة على المجموعة الايرانية – اللبنانية لتذكر بالقواعد.
في الرد الذي يبدو انه اعتمد بعناية فائقة كي يكون رداً على غارة القنيطرة، يرمم "حزب الله" "سمعته" القتالية في عيون جمهوره، ولا سيما لناحية رمزية سقوط ابن القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية الذي لم يحصل رد على اغتياله في دمشق قبل أعوام. وقد حصل هجوم الحزب المذكور في منطقة مزارع شبعا، وليس عبر الخط الأزرق، ولا حتى في الجولان موضع التباين في قراءة الخطوط الحمر، وبدت الرغبة في تصعيد محدود من جانب "حزب الله" الذي استهدف قافلة عسكرية عادية، سقط فيها ضابط متدني الرتبة ومعه جندي، بما يترك للإسرائيليين باباً للرد العشوائي في مناطق لبنانية جنوبية وعرة، ومعه باب آخر للإنسحاب من مواجهة أوسع.
هكذا رد الايرانيون و"حزب الله" بحذر على الغارة، وقد يكون الرد من لبنان عبر مزارع شبعا اعلان للعودة الى قواعد الاشتباك السابقة التي احترمها الطرفان منذ حرب 2006 وعدم العودة الى الجولان السوري غير المحتل، المتروك للنظام وبعض فصائل المعارضة السورية.
قد يكون في ما حصل البارحة إقفال لملف الثأر لدماء ضحايا الغارة في الجولان، مع حرص واضح من "حزب الله" ومن خلفه إيران، يقابله حرص إسرائيلي مماثل على عدم الانزلاق في حرب لا يربح فيها أي طرف في الوقت الراهن: فلا إيران التي تفاوض على برنامجها النووي مع إدارة أميركية متعاطفة معها، يرئسها باراك أوباما، ولا "حزب الله" الغارق في حرب في سوريا، ولا إسرائيل التي تتعرض لضغط كبير من جانب إدارة أوباما على خلفية الخلافات الكبيرة حول المفاوضات مع إيران في وسعهم التورّط في حرب واسعة اليوم. ولا ننسى أن الأطراف المذكورة كلها تتقاطع مصالحها راهناً حول عدم إسقاط نظام بشار الأسد بسرعة. كل هذه العوامل والإشارات ترسم مشهداً مضبوط الإيقاع يحول دون تطوّر الأمور أكثر.