لا يزال الوضع على الحدود الشرقية للبنان مع سورية، يتسم بخطورة تصاعُدية وفق ما تؤكد مختلف الجهات الوزارية والأمنية المعنية، في ظل الاستنفار الواسع والدائم للجيش اللبناني على امتداد جبهة الجرود الشرقية من عرسال الى رأس بعلبك، تحسباً لقيام التنظيمات الارهابية بهجمات جديدة، يبدو الجيش متيقناً بأنها لن تتوقّف، في اطار محاولات استنزافه التي ستمضي فيها هذه التنظيمات.
وبدأ صدور مواقف سياسية ووزارية تطالب الحكومة بالعمل على طلب مساعدة التحالف الدولي للبنان ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش)، اذا اقتضت الحاجة ذلك في اي محاولات اختراق جديدة لحدوده. وجاء التحذير اللافت الذي وجهته السفارة الاميركية في بيروت اخيراً الى رعاياها من اجل الامتناع عن السفر او التحرك ضمن مناطق لبنانية جديدة بناء على تقارير اعلامية ليزيد حالة التوجس من المعطيات التي قد تكون وراء هذا التحذير ومن ضمنها مسألة التهديدات المتصاعدة بين اسرائيل و«حزب الله» عقب عملية القنيطرة ضدّ موكب للحرس الثوري الايراني والحزب.
وتقول مصادر وزارية بارزة من فريق 14 آذار لـ «الراي» ان الحوار الجاري بين تيار«المستقبل» و«حزب الله» والذي عُقدت جولته الرابعة مساء أول من أمس في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، يبدو خياراً لا رجوع عنه في هذه الظروف الحالية، بمعنى ان فريقيْ الحوار ملزمان الاستمرار في هذه العملية، مهما تصاعدت من داخل كل منهما أصوات متشدّدة تشكك في جدوى هذا الحوار.
وأشارت المصادر الى ان هذا البُعد اتخذ طابعاً عملياً في الجولة الأخيرة التي عُقدت على وقع سجال حاد بين نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ووزير العدل اللواء اشرف ريفي وشخصيات اخرى في تيار «المستقبل»، ومع ذلك تعمّد الفريقان المتحاوران الاشارة في البيان الرسمي الصادر عن جولتهما الرابعة الى إبداء ارتياحهما لتطور الحوار بينهما، وما يتركه ذلك من ارتياح لدى الرأي العام، لافتة الى ان هذه العبارة اتُفق عليها كرسالة حازمة للجميع بأن الاستمرار في الحوار هو نتيجة قرار سياسي ثابت للفريقين، ولو صدرت مواقف متشددة من داخل كل منهما.
وتقاطعت المعلومات التي توافرت عن الحوار الذي يُستكمل الثلاثاء المقبل انه خلص الى توافق على ضرورة بدء إزالة اللافتات والصور والرايات الحزبية في الأحياء في المدن الرئيسة، انطلاقاً من بيروت في إطار إجراءات الحدّ من الاحتقان السياسي والمذهبي بين جمهوريهما ومحازبيهما، مع التحضير لتوسيع هذه الخطوة في اتجاه مناطق أخرى، كما تناول المواجهات بين الجيش اللبناني والارهابيين في جرود رأس بعلبك ليخلصوا كما جاء في البيان الختامي الى «تثمين التطور الايجابي للحوار، وما نتج عنه من اثر لدى الرأي العام، واتفقوا على بعض الخطوات العملية التي تعزز مناخ الاستقرار»، مؤكدين «الموقف الثابت بدعم الجيش والقوى الأمنية بكل الوسائل في مواجهة الارهاب وحماية لبنان».
وفيما لم تجزم المعلومات اذا كان تم التطرق الى مسألة الغارة الاسرائيلية على القنيطرة، اشارت تقارير الى أن وزير الداخلية نهاد المشنوق (احد ممثلي المستقبل في الحوار) كان تلقى رسالة من السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل ومفادها ان اسرائيل سترد رداً قاسياً وموجعاً، في حال نفذ «حزب الله» تهديده باستهداف المصالح الاسرئيلية.
ومع ذلك، فان المصادر الوزارية لا تعتقد ان هذا الحوار وحده، وعلى أهميته، سيكون كافياً لتدعيم الارضيّة الداخلية وتحصينها بمعزل عن تسريع خطوات تسليح الجيش اللبناني بالقدر الفعّال والحاسم في اقرب وقت، مشيرة الى انه رغم كل التطمينات التي غالباً ما تصدر رداً على التشكيك او التذمّر من تأخُّر وصول الأسلحة الفرنسية الحديثة للجيش المقرّرة وفق الهبة السعودية، فان هذه التطمينات لم تعد تجد الصدى الإيجابي لان تَسارُع التطورات الميدانية يضع الجيش في موقعٍ شديد الصعوبة والمخاطرة فيما عملية التسليح لم تبدأ عملياً بعد.
ولم تستبعد المصادر ان يعاد فتح هذا الملف في الفترة القصيرة المقبلة داخل الحكومة وبين لبنان وفرنسا، على سبيل الحثّ لتسريع تسليم الأسلحة الملحة للجيش، وخصوصاً ان مجمل المعطيات تشير الى امكان حصول تصعيد جديد على الحدود الشرقية، بعدما مني تنظيم «داعش» بهزيمة قاسية في العراق (ديالى) وكوباني في اليوميْن الأخيرين وربما تدفعه هذه الهزيمة المزدوجة الى محاولة تحقيق خرقٍ ما على الجبهة اللبنانية. وقد تحسّب الجيش لكل هذه الاحتمالات وسواها على المدييْن القصير والطويل، ولكن المواجهة باتت تفرض على الحكومة التصرّف بسرعة لتدعيم قدرة الجيش على الصمود والمواجهة لمدى طويل.
وما عزّز المخاوف في هذا السياق هو البيان الذي نُسب الى «داعش» وتحديداً الى القسم الاعلامي في «ولاية دمشق» وجاء فيه ان «وزارة الحرب في التنظيم تعتبر ان الأوضاع في لبنان أصبحت جاهزة لتحرير ولاية لبنان ممّا وصفته«بالاستعباد الصفوي»في إشارة إلى«حزب الله»، مقراً بأن المواجهات التي جرت في رأس بعلبك الجمعة الماضي، بين الجيش اللبناني ومجموعات كبيرة من المسلحين للسيطرة على«تلة الحمرا»كانت«بداية الغزوة الشاملة التي ستحرر لبنان وتعيده إلى أحضان دولة الإسلام في العراق والشام».
ودعا البيان، جميع من وصفهم«بالمجاهدين الذين يرغبون في الحصول على شرف الشهادة»إلى أن يبادروا إلى المساهمة في«غزوة تحرير ولاية لبنان، والانضمام إلى «مجاهدي» التنظيم».