لم يعد الحديث عن رد متوقع على الغارة الإسرائيلية في القنيطرة، أمراً له شأن، كأن الاحداث قد تجاوزته وصار من الماضي. فالغارة كأنها حصلت منذ سنوات عديدة، لان القيمة الحقيقية للرد انما تكون حال حدوثه وبشكل مباشر وبدون فارق زمني طويل ولا يحتاج الى كل هذا الكم من الصريخ والتهويل والضجيج الذي لا يسمّن ولا يغني.
يعيش جمهور حزب الله حالة من الامتعاض العميق، فهو لا يريد ان يصدّق بأن حدث بهذا الحجم قد مرّ مرور الكرام، وان كل التهديد والوعيد الذي كان يسمعه وسمعه قبيل الغارة تبيّن انه لا يغدو اكثر من عواصف وهمية ما برحت ان استقرت وهدأت عند لحظة الحقيقة.
صحيح ان هذا الجمهور المسكين يحاول ان يمنّي نفسه بحكايات هي اشبه ما تكون بحكايات الف ليلة وليلة، او قصص عنتر بن شداد، والتي بالرغم من جماليتها وحلاوة شبكتها وعظمة نهاياتها، الا ان كثرة سماعها وتكرار إلقائها لاكثر من مرة فيصيبها ما يصيب كل القصص الشهيرة بحيث تصبح مملة وتفقد رونقها وتتحول الى حكايا رتيبة وممجوجة مهما بلغت عظمة حبكتها.
فلو كنا صدقنا ان العدو الإسرائيلي مرتعب وخائف وانه يعيش تحت الأرض في الملاجئ وان سكان المستوطنات يعيشون فوبيا رعب انتظار الرد ويسمعون أصوات المقاومين ودعسات اقدامهم عبر غسالاتهم او حنفيات بيوتهم كما يحلو لاعلام الممانعة ان يقنعنا، وبان المدارس في شمال إسرائيل المحتلة مقفلة ولا تستقبل طلابها كالمعتاد وكذلك الجامعات والمعامل والمصانع كلها معطّلة..
ولو صدقنا ان جيش العدو الإسرائيلي يغلق كل الطرقات في شمال فلسطين المحتلة، وانه على استنفار كامل منذ وقوع الواقعة، وان قنابله الضوئية تملا سماء الشمال وقسم كبير من جنوبنا بحثا عن مجموعة قيل انها تسللت الى الداخل، ولا انسى هنا انهم خمسة افراد بالكمال والتمام لا يزال العدو يبحث عنهم..
ولو صدقنا جدلا، ان قيادة العدو السياسية هي في حالة من الندم الشديد، وتشعر بأنها اقترفت خطأ فظيع تستجدي بعده التوبة والغفران، وانها على كامل الاستعداد لتقبيل شوارب المقاومة ولحيتها وحتى يدها التي يفترض انها على الزناد دوما، وان هذه القيادة الضعيفة والمترددة على كامل الاستعداد للنطق باقصى عبارات التراجع والحسرة على ما اقترفت يديها من جريمة أودت بحياة مقاوميين..
وان وفدا من هذه القيادة اللعينة أيضا قد سافر الى روسيا على عجل، وباقصى سرعة ممكنة، حتى ان افراد هذا الوفد وبسبب تعجّلهم و”عجقتهم” لم يأخذوا معهم أي من اغراضهم الشخصية وبقيت حقائب سفرهم في مطار تل ابيب، فليس هذا بمهم عندهم لان حجم المهمة التي هم فيها اعظم بكثير، فمستقبل بقاء دولة إسرائيل على المحك والقضية قضية حياة او موت..
فلو اننا صدقنا جدلا بان كل ما تقدم هو صحيح وليس فيه أي مبالغات وانه لا يندرج تحت خانة الحرب النفسية فقط، هذا ان لم نقل انه تحت خانة إلهاء الجماهير ودغدغة مشاعرها، الا ان كل هذا وذاك لا يمنع القول وبشكل واضح بان الشعور الحقيقي الذي ينتابنا وينتاب جمهور المقاومة خاصةً بعد انتهاء فترة تشييع الشهداء ومرور ذكرى الأسبوع، لا يمكن إلا أن يسود الآن شعور عميقا يسود النفوس ويكاد يبوح بالقول: لقد خذلنا حزب الله.