الأولوية الأولى التي استهدفتها إسرائيل، عندما قتلت ستة مقاتلين من "حزب الله" وجنرال إيراني في القنيطرة هي المفاوضات الجدية للمرة الأولى الجارية بين المجموعة الدولية 5 + 1 والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهي التسوية النووية بعناصرها كلها التي تمّ الاتفاق عليها قبل انتهاء مدة التفاوض السابقة، والتي كانت ستوقَّع لولا موقفين اثنين لم يكن في إمكان الرئيس الاميركي تجاهلهما.
الأول أبدته المملكة العربية السعودية التي يعرف العالم كله اعتبارها إيران خطراً جدّياً عليها، وانزعاجها من حليفها الأكبر أميركا بعدما قرر طيّ صفحة العداء مع نظام "الملالي" فيها، وتسوية القضايا الخلافية كلها معها وفي مقدمها برنامجها النووي، ثم الانطلاق في علاقة جديدة وجدِّية وجيدة لمواجهة الأخطار التي تهدّد الدولتين ومعهما المنطقة والعالم، وأهمها على الإطلاق "إرهاب" التيارات الإسلامية الأصولية السنيّة المتشدّدة حتى العنف والتكفير.
طبعاً لا يعرف أحد حتى الآن بماذا لوّحت المملكة للرئيس أوباما كي يرجئ توقيع التسوية وليس كي يلغيها. لكن أوباما يعرف جيداً إمكانات الحليف السعودي، وقدرته على جعل مكافحته الارهاب في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والسودان وغيرها من الدول صعبة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالإسلام عنده إذا جاز التعبير (وجود الحرَمين الشريفين على أرضه)، والمال عنده، والنفط عنده. ويعرف في الوقت نفسه أن هذا الحليف سيقتنع في النهاية بمباركة التسوية النووية مع إيران، ولكن بعدما يحصل على ضمانات لدوره وأمنه ليس في الخليج وحده بل في المنطقة، وبعدما يتأكّد من أن نهايات الحروب عندما يحين أوانها لن تُعيد إنتاج الأنظمة المعادية لها.
أما الموقف الثاني فكان أميركياً بحتاً. ذلك أن أوباما كان متوقعاً خسارته الانتخابات النصفية وتالياً مجلسي الكونغرس. وكان يعرف أن "الحزب الجمهوري" الفائز مصرٌّ على إفشاله وعلى تحميله مسؤولية كل مصائب أميركا، وعلى منعه من تحقيق إنجاز يجعل التاريخ يذكره بالخير. وطبعاً كنت إيران ولا تزال الوسيلة الأهم لتحقيق كل ذلك. كما كان يعرف أن تلاقي المصالح والمواقف من التسوية مع إيران سيوثّق العلاقة بين الحزب المذكور وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وخصوصاً في مرحلة الإعداد لانتخابات عامة في بلاده. فآثر الإرجاء ليس للخروج من هذه "الورطة" بل لتهيئة نفسه وحزبه والرأي العام في بلاده للمعركة التي سيفرضها عليه الجمهوريون ونتنياهو وللفوز فيها. انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن قتل عناصر "حزب الله" والجنرال الإيراني في القنيطرة السورية أخيراً كان القصد منه على الأرجح دفع "الحزب" وطهران أو كل منهما إلى ردّ سريع وكبير دافعه رغبة عارمة في الانتقام بعدما تعذّر على الاثنين معاً وعلى مدى سبع سنوات، الانتقام لاغتيال "صانع الانتصارَين" كما يسمونه أي عماد مغنية.
هل يقع "الحزب" ومعه إيران في "الفخ" الذي نصَبه نتنياهو؟
سيكون هناك ردّ وسيكون قاسياً، يجيب عدد من عارفي "الحزب" لكنهم يضيفون أن لبنان ليس ساحته. وهم محقون في ذلك لأن جمهوره بل "شعبه" لا يستطيع، رغم إخلاصه له واندفاعه في تأييده وخصوصاً بعدما صار الدفاع عنه دفاعاً عن الوجود، أن يتحمّل أضعاف أضعاف الدمار والدم والقتلى والجرحى والمعوّقين التي تحمّلها عام 2006. وهو أي "الحزب" يُظهر عقلانية باستبعاده لبنان. أين سيكون الرد إذاً؟
لا جواب عن ذلك. فالبعض يتوقّع أن يكون في الجولان السوري. لكن سوريا في رأي إسرائيل وغيرها امتداد لساحة لبنان، و"الجبهة اللبنانية – السورية" المواجهة لها صارت واحدة بعدما صار "حزب الله" وإيران عليها وحدهما. ومن شأن ذلك تعريضهما معاً لخطر الحرب والتدمير. فضلاً عن أمر مهم هو أن أحداً لا يستطيع أن يجزم أن نظام سوريا، ورغم متاعبه الضخمة داخل بلاده ورغم ضمور استقلاليته جراء حاجته الضخمة إلى حليفته إيران، سيقبل تحويل حدودها منطقة عمليات عسكرية ضد إسرائيل من "حزب الله" وإيران، وذلك رغم ما قاله الرئيس الأسد قبل سنوات عن إعداده الجولان للمقاومة. ولعل أحد آخر تصريحات وزير خارجيته وليد المعلم يشير إلى ذلك.
وقد يكون دافعه الخوف من دفع إسرائيل إلى خوض المعركة ضده مباشرة هو الذي ما كان لينجح في الصمود والبقاء لولا إيران وحلفائها الشيعة في العالم وروسيا، ولولا رغبة إسرائيل في بقائه مكسوراً وأعدائه. ولكن أين الردّ إذاً؟