في ظلّ التكتم المفروض على جدول أعمال الحوار بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» يصعب التكهن بمحتواه وما إذا كانت القوات تشترط موافقة الجنرال على ثوابتها لانتخابه رئيساً.
لمعادلة واضحة تماماً: العماد ميشال عون لن يقبل رئيساً غيره، و«حزب الله» لن يقبل رئيساً من ١٤ آذار، وبالتالي إعادة عون إلى ١٤ أو تقريبه من ثوابتها يعني قطع الحزب الطريق على انتخابه رئيساً، الأمر الذي لن يُقدِم عليه عون، وبالتالي هل من مخرج لتجنّب استمرار الفراغ الرئاسي؟وعليه، يُفترض أن تكون مقاربة الرئاسة مختلفة وتتضمن الآتي:
أولاً، يجب الإقرار أنّ الفراغ طويل ما لم يُنتخب عون، وأنّ التعويل على الحراك الخارجي بعد جولتَي بوغدانوف وجيرو في غير محله.
ثانياً، إذا كان وضع المسيحيين واللبنانيين أمام الأمر الواقع القاضي بتخييرهم بين عون والفراغ غير مقبول، فإنّ الواقع المرير في المقابل هو أنّ الرئاسة الأولى شاغرة وستبقى كذلك حتى وقتٍ طويل.
ثالثاً، وحدة الموقف المسيحي وطنياً لن تُقدِّم ولن تُؤخِّر في استعادة السيادة، لأنّ «حزب الله» على استعداد لإحراق لبنان دفاعاً عن بقاء سلاحه ودوره الإقليمي، فضلاً عن أنّ ١٤ آذار نفسها في غير وارد مواصلة المواجهة ومع تثبيت ميزان القوى الحالي حتى إشعار آخر، وبالتالي العامل الأساس في قيام الدولة انهيار مشروع الممانعة أو موافقة طهران في ظلّ توزيع الأدوار المُفترض في المنطقة على إنهاء الدور الإقليمي للحزب، ولكن يصعب في هذه الحال التعويل على أيٍّ من الاحتمالين أو ربطهما بفترة زمنية محدَدة، فيما الأرجح أن يستمر الوضع الحالي طويلاً.
رابعاً، لبنان محكوم اليوم بميزان قوى سنّي-شيعي وسعودي-إيراني، وبالتالي مصيره مرتبط بتصادم هذين المحورين أو تقاطعهما، فيما يستحيل على المسيحيين فرض ميزان قوى جديد، ما يعني أنّ عليهم التعايش مع هذا الواقع، وهذا التعايش يختلف بين أن يكون انتظارياً أو الاستفادة منه لتعزيز الوضع المسيحي.
خامساً، النائب وليد جنبلاط الذي أدرك أنّ اصطفافه ينعكس سلباً على شخصه وطائفته أعاد تموضعه بالشكل الذي لا يستفز السنّة والشيعة.
سادساً، الانقسام المسيحي يمكن تحويله من نقمة إلى نعمة، لأنه إذا كانت وحدة الموقف المسيحي لن تُقدِّم ولن تُؤخِّر وطنياً، فإنّ تمحورهم بين شركاء للسنّة والشيعة يريِّح الساحة المسيحية، ولكن يجب تطويره باتجاه التقاطع في القضايا المسيحية وتسويقها لدى «حزب الله» و»المستقبل» معاً.
سابعاً، وحدة المسيحيين في القضايا الوطنية ستستفز السنّة أو الشيعة، فيما انقسامهم يحيِّد الساحة المسيحية عن الصراع السنّي-الشيعي، وبالتالي من الخطأ دعوة العماد عون إلى ١٤ آذار، فيما المطلوب بقاء كلّ طرف في تموضعه الوطني.
ثامناً، بعد ست سنوات بين توقيع اتفاق القاهرة في العام ١٩٧٩ واندلاع الحرب، و١٥ سنة بين ١٣ نيسان ١٩٧٥ وانتهاء الحرب في العام ١٩٩٠، و١٥ سنة وصاية سورية بدأت في ١٣ تشرين ١٩٩٠ وانتهت في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، و١٠ سنوات تقريباً من إمساك «حزب الله» بمفاصل القرار بين خروج الجيش السوري واليوم، وبالتالي بعد كلّ هذا الوقت الذي لا يمكن تقدير أفقه المفتوح للمستقبل حان الوقت أن ينتقل الهمّ المسيحي من الحيّز الوطني إلى المسيحي.
تاسعاً، أثبتت التجربة منذ عشر سنوات أنّ محركات اللعبة في لبنان سنّية وشيعية، وهذه مسألة طبيعية، وبالتالي على المسيحيين في ٨ و١٤ آذار ألّا يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
عاشراً، لماذا لا يكون معبر عون إلى بعبدا على أساس الآتي:
أ- أن يلتزم بالتوازن السنّي-الشيعي، وألا يحاول كسره لمصلحة حليفه الشيعي الذي ليس أساساً بحاجة له أو لغيره إذا أراد كسره، والتجربة أكبر دليل من 7 أيار إلى تأليف حكومة ميقاتي، لأنّ أيّ محاولة من هذا النوع يدفع المسيحيون ثمنها، وبالتالي يجب أن يكون على مسافة واحدة من الطرفين.
ب- أن يكون رئيساً لإدارة الأزمة، وأن لا يتوهم للحظة أنّ مفاتيح حلّها بيده، لأنّ أيّ وهم من هذا النوع يؤدي إلى مفاقمة الأزمة لا حلها.
ج- أن يكون وصوله نتيجة اتفاق على تحقيق ملفات وطنية-مسيحية، وأن تكون ضمانة تنفيذ هذا الاتفاق بيد الفاتيكان وبكركي وأن يتعهد سليمان فرنجية بفرط التحالف معه في حال أخلّ ببنود الاتفاق،وأما الملفات الملِحَة التي تتطلب إقراراً سريعاً فتُختصر بثلاثة:
١- إقرار اللامركزية السياسية التي تعيد ثقة المسيحيين بأنفسهم وتثبتهم بأرضهم وتمنع زوالهم وتجدِّد دورهم وتحمي وجودهم.
٢- إقرار مجلس الشيوخ باعتماد المشروع الأرثوذكسي كقاعدة لانتخاب أعضائه.
٣- إقرار قانون انتخاب على أساس النسبية ومحرَر من القيد الطائفي وعلى أساس تقسيمات جغرافية تراعي التوازن المسيحي-الإسلامي.
قد يكون حان الوقت للالتفات إلى الهموم المسيحية في ظلّ صراعٍ بدأ منذ أكثر من أربعة عقود ودفع المسيحيون كلفتَه من لحمهم الحيّ، وبالتالي في غياب أيّ مؤشر لنهايته، على المسيحيين التفكير مسيحياً وأن يتوحدوا لتحقيق ما يخدم الوجود المسيحي مستفيدين من تموضعهم الوطني ومن دون استفزاز شركائهم الذين يردِّدون صبحاً ومساءً بأنْ لا قيمة للبنان من دون مسيحيين...