بعد أن كبت المعارضة السورية كبوتها التركية والقطرية وخرجت من المشهد السياسي نتيجة لتحوّل جيش الحرّ الى مجموعة حواجز شبيهة بحواجز النظام والشبيحة داخل بعض المحافظات ونتيجة لفسادين واحد سياسي والآخر مالي ونتيجة لبروز النصرة وداعش كقوتين مسيطرتين على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام .
لقد أسهمت مواقف وظروف وتطورات متعددة ذاتية وخارجية في جعل المعارضة السورية بكل تشكيلاتها وأطرها التنظيمية من المجلس الوطني الى الحكومة الى الجيش الحرّ حالة غير مؤثرة ومجرد كتلة هشّة لا حول ولا قوّة لها الا بالقدر الذي تتحها لها بعض الدول الخليجية والغربية لمدها ببعض الأوكسيجين لتبقى حيّة وصالحة للبقاء كديكور سياسي ليس أكثر بعد أن فشلت في ادارة المعارضة والمساهمة الفاعلة في الساحة السورية .
لذا نسيّ العالم أسماء المعارضين السوريين ولم يعد أحد يهتم بمن يأتي رئيساً على هذا التشكيل أو ذاك من أطر المعارضة طالما أن حركة المعارضة مجرد جعجعة وخلاف على خلاف في الموقع والدور والمسؤوليّة والميزانيّة . وباتت المعارضة خارج سياق التطورات والأحداث السورية بعد أن تبوأ تنظيم الدولة موقع الصدارة في الحدث السياسي الاقليمي والدولي وأصبحت داعش دولة قائمة على جغرافيتين سورية وعراقية ومهددة لدول تحالفت بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة أخطارها المهددة لأمنها ومصالحها .
لم تعد المعارضة السورية في حسابات أحد بعد ما جرى في سورية من سوأ سياسي ومالي باستثناء المملكة العربية السعودية المراهنة على معارضة تجانبها ولا تخالفها كما هو حال تنظيم الدولة الساعية الى الوصول لمكّة واسقاط نظام المملكة باعتبارها ركن الخلافة الاسلامية . لهذا تسهم المملكة في تفعيل دور المعارضة الخجولة واتاحة الفرص لها للعب دور جدي في تحسين شروط عودتها الى الواجهة السياسية والى الميدان السوري بواسطة ما يسمى بالقوى المعتدلة.
من هنا طلبت المملكة العربية من مصر المساهمة في تذليل العقبات الخلافية وايجاد تقاطعات ما بين الداخل والخارج السوري لتصحيح المسار السياسي للمعارضة واعادة تنشيطها للمساهمة في ما يجري في سورية مخافة الوقوع في فراغ قد تملؤه السلطة اذا ما تراجعت كل من داعش والنصرة جرّاء الاستهداف الدولي لمواقعهما هذا من جهة ومن جهة ثانية ثمّة من يرجح استضافة مصر للمعارضة السورية بشقيّها باعتبارها محاولة مدفوعة بدعم عربي وغربي لتطويق المبادرة الروسية المراهنة على خلل المعارضين وعلى محنة وحدتهم وامكانيّة التوصل مع بعضهم الى القبول ببقاء الأسد في السلطة وتطعيم الحكومة بوجوه من لون المعارضة .
لقد شدّد المعارضون السوريون في المؤتمر الذي دعتهم اليه مصر على اعتماد الحلّ السياسي لانهاء الأزمة شريطة أن يكون الأسد خارج المستقبل السوري وهذا ما يتناقض مع الرغبة الروسية ومع مضمون الحوار الذي ستراعه روسية مع معارضين سوريين .
رغم أن سورية في مكان والسوريين في أمكنة أخرى بعيدة جداً ورغم أن السوريين مجرد زبائن في حربهم والقرار ليس سوريّاً الاّ أن الورش السورية مساهمات في التوظيف السياسي لصالح حسابات أكبر بكثير من حسابات السوريين أنفسهم لأنها تحوّلت الى أدوات في اللعبة السياسية والعسكرية القائمة بين جهات اقليمية ودولية تملك وحدها قرار الحرب والسلم وعلى السوريين التقيّد بحدود الأدوار المتاحة لهم سواء كانوا في المعارضة أو ما تبقى منهم مع النظام .