تبني ايران سياستها دائما على أساس مصالحها، فيتم كسر العداء مع الشيطان الأكبر لان مصلحة ايران تقتضي ذلك. فيما تجعل من اتباعها سواء في لبنان او خارجه اسرى ايديولوجيا يتحركون وفقها بعيدا عن مصالحهم الوطنية.
لا يحتاج الامر الى الكثير لإعمال العقل كي نلاحظ الفرق بين جمهور الممانعة المأسور في قوالب الايديولوجيا المتحكمة بخياراته وبآليات تفكيره وحتى بدعايته الحزبية التعبوية، وبين الجمهور الإيراني الذي يبني مع نظامه سياسته وفق منطق المصالح فقط.
فتحضر بقوة مصلحة ايران العليا عند الثاني، فيما يغيب أي اثر للمصلحة اللبنانية عند الأول، وعلى ضوء هذه التربية نجد كيف ان جمهور الممانعة عندنا مأخوذ بالعودة الى التراث وبالخصوص الروائي منه حتى يجد ضالته في تفسير الكثير من خياراته التي تتعارض حتى مع مصالحه. كما لا تجده يرتاح ويستكين الا عند تغليف أي من خياراته بعباءة الايديولوجية التي لا يحتاج بعدها الى تفكير او نقاش او حتى مراعاة اقل ضروريات المنطق السليم. وطبعا لا حاجة هنا للإشارة الى ان النظام الإيراني نفسه هو من ساهم ويساهم بإحلال هذا المنطق لدينا ولدى الآخرين لتسهيل عليه عملية السيطرة واحكام القبضة على عقول من يريدهم ان يسيروا في خدمة مشروعه وتنفيذ ارادته لتحقيق مصالحه.
واحدة من هذه الالاعيب الأيديولوجية هي ربط حادثة موت الملك السعودي عبدلله بن عبد العزيز بموضوع ظهور الامام المهدي، باعتبارها واحدة من العلامات المبشرة بذلك على ما جاء برواية يقال انها عن الامام الصادق: “من يضمن لي موت عبدالله، اضمن له القائم”، وبغض النظر عن صحة الرواية او عدمها، وبان المقصود منها هو عبدالله العباسي (سفيه من آل العباس كما جاء برواية أخرى) الا ان ربطها بموت خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله جاء في خضم التجاذب الإيراني السعودي ليفسر لنا بعد ذلك هذا الكم من الشماته والحقد اللذين امتلأت بهما صفحات ممانعين يفترض انهم لبنانيوم. ففي وقت يتوجه وزير خارجية ايران جواد ظريف الى المملكة العربية السعودية لتمثيل بلاده في المشاركة بالجنازة، نجد ان جماعة ايران في لبنان يرقصون فرحا بخبر الوفاة، ضاربين بعرض الحائط مصالح الاف العائلات اللبنانية الموجودة بالسعودية، وما قدمته المملكة من مساعدات للدولة اللبنانية قديما وحاضرا (بغض النظر عن موقفنا المبدئي من النظام).
هذه الفرحة العارمة التي اجتاحت صفحات الممانعين الفيسبوكية، والغبطة الشديدة بتحقق علامة كبيرة من علامات الظهور، حتما لم نكن لنشاهدها لو ان مؤشر أسعار النفط يتحرك صعودا لصالح الإنتاج الإيراني بدل ما هو عليه الان، ولو ان العلاقات الإيرانية السعودية على ما يرام، وهنا يختلط الامر على الممانعين كما في مرات عديدة سابقة، بين الامام المهدي وظهوره وبين مصالحهم الانية والمصالح الإيرانية دائما.