لكأن تاريخاً هادراً يقف الآن في عزاء رجل الإنجازات الخالدة، الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي كرّس حياته لمروحة هائلة من القضايا الجوهرية خدمة لمصلحة السعودية والعائلة الخليجية والبيت العربي والحوض الإنساني والعلاقات بين الأديان والحضارات .
رحل عاهل الإنجازات الخالدة، لكن السعودية ودورها وهذه الإنجازات العظيمة تبقى في أيد أمينة، مع الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل الجديد، ومع ولي العهد الامير مقرن بن عبد العزيز ومع الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي صار ولي ولي العهد، وايضاً مع الأمير محمد بن سلمان الذي صار وزيراً الدفاع.
واذا كان الملك سلمان قد حرص في كلمته الأولى بعد تولي الحكم على الاعلان انه سيظلّ متمسكاً بالنهج الذي سارت عليه المملكة منذ تأسيسها، لافتاً الى "ان أمتنا العربية والاسلامية هي أحوج ما تكون اليوم الى وحدتها وتضامنها" ومؤكداً حرصه على كل ما من شأنه ان يخدم وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا العرب والمسلمين، فمن الواضح ان ترتيب بيت الحكم السعودي بسرعة يضمن استمرار النهج والسهر على المضي في طريق الإنجازات التي حققها الراحل الكبير.
الملك الراحل اختار اسم خادم الحرمين الشريفين، لكنه كرّس حياته للسهر على حرمة مروحة من قضايا المملكة ومكانتها الحاسمة كمرجعية اسلامية وعربية، فأطلق سياسة تنمية واسعة واهتمّ بتحديث وبإعمار البلاد وتقوية المؤسسات، ووضع السعودية في قائمة العشرين الكبار وجعلها "قوة حاسمة في الاقتصاد العالمي" كما قال باراك اوباما، والملك سلمان الذي صار خادم الحرمين الشريفين، كان شريكاً في تحقيق هذه الانجازات التي سيدفعها الى الأمام.
يرحل الملك عبدالله ويبقى صوته صارخاً من منبر الأمم المتحدة، حيث قال يوماً في إطار سهره الدائم والمهجوس على الحوار بين الاديان والحضارات: "بصوت واحد نقول إن الاديان التي اراد الله بها إسعاد البشر لا ينبغي ان تكون من اسباب شقائهم، إن الارهاب والاجرام من اعداء الله وكل حضارة ودين وما كانا ليظهرا لولا غياب مبدأ التسامح"، وسيكون هذا في صميم تركيز العاهل الجديد الذي يضع بصماته على طوفان من الملفات الحساسة التي تشمل العالم العربي وأوضاعه والقضايا العالمية الساخنة وفي مقدمها الحرب على الارهاب.
كان الملك سلمان شريك أخيه الملك الراحل في الاجتماع مع السفراء الغربيين الذين تمّ استدعاؤهم قبل اشهر للتنبيه الى ان السكوت عن خطر الارهاب المتفاقم في سوريا والعراق سرعان ما سينقل الإرهاب الى بلادهم، وهذا يعني انه سيمضي في تفعيل دور السعودية في مكافحة الإرهاب وفي العمل لدعم الدول العربية... واذا كان الراحل قد قال "ان لبنان مقلة العين" فالملك سلمان طالما اعتبره مقلة العينين.