مصطلح " شهيد " مشتق من فعل شَهِدَ فهو شاهد , فلذلك قد سُمي مَنْ قُتل في سبيل الله أو في سبيل الدفاع عن الحق والعدل شهيدا , أي سوف يكون شاهدا على فعل الظلم الذي أدى الى إزهاق روحه , وأستعمل أيضا مصطلح الشهيد في القرآن الكريم في معنى الشهادة فقط ولهذا أشار القرآن الكريم في سياق الحديث عن مصطلح الشهيد كونه شاهدا على الاخرين , فقال الله سبحانه وتعالى :
(ويوم نبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) النحل 89 .
فمصطلح الشهيد قد استعمل في السياقات الاسلامية بمعنيين , الاول للذي قتل في سبيل الله دفاعا عن الحق والعدل والحرية وهذا القتل هو أعلى مراتب الشهادة لأن الهدف هو الدفاع عن مقاصد الشريعة , ولهذا أشار القرآن الكريم بقوله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170 " آل عمران " , و الثاني كما ذكرنا للشاهد وقد استعمل المصطلح بهذا المعنى ما يقارب 130 مرة . منها 77 مرة بالاسم إفرادا وجمعا , 53 مرة بصيغة الفعل , كلها بمعنى الذي يشهد أيْ يحضر حدثاً او يشهد بالحق , على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى في سورة النساء : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) . هذا في القران الكريم , كذلك في السنة والسيرة نقلت الكثير من الروايات متطابقة مع النص القرآني , مما يدل على أهمية فعل الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الحق وفعل الشهادة لما لها من دور مهم في إثبات الحق , ففي الدفاع عن الحق وإثباته تشترك الشهادة والاستشهاد .
المحصلة انه لا فرق في الاستعمالين فكلاهما نفس المعنى ونفس الغاية , إنما الكلام في من يحق له ان يكون شهيدا بين يدي الله على الاخرين .
فمن البديهي والواضح في النصوص الاسلامية أن للشاهد شروط كي تُقبل شهادته على حدثٍ ما , فعلى رأس هذه الشروط العدالة بالاضافة الى شروط أخرى مثل الايمان والعقل ...
من تلك السياقات والاستعمالات المتكررة , نعلم أن الاقدام على الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الحق والعدل ومن أجل إزهاق الباطل والظلم ليس مرتبطا بزمان ومكان , بل مرتبط بوجود الظلم , فليس للجغرافيا دخالة في تعويم فعل الاستشهاد , لان الظلم يمكن ان يقع في كل زمان ومكان , فأينما حل الظلم وبكل أنواعه ومراتبه وجبت مقارعته ومن مات وهو يقارع الظلم فهو شهيدٌ , وسوف يكون شاهدا عند الله على الحدث الذي أدى الى موته .
فما نراه في بلادنا الاسلامية من كثرة الاقدام على فعل الاستشهاد , سببه هو الظلم السائد في الاجتماع الاسلامي ومن الطبيعي ان يلجأ المظلوم الى فعل الاستشهاد دفاعا عن حقوقه المتعددة , ويساعد على ذلك بشكل واضح الفكر الديني السائد في تلك المجتمعات , وهذا لا ينفي مشروعية الاستشهاد في المجتمعات الاخرى التي يحلُ فيها الظلم , لانه كما قلنا بأن فعل الاستشهاد ليس مرتبطا بالجغرافيا دائما .