حمل الاعتداء الاسرائيلي على حزب الله في القنيطرة السورية عدّة رسائل مفادها أن هناك خطوط حمراء لا يمكن لحزب الله التواجد فيها أو التمركز ضمن الفضاء الأمني للكيان العبري وأن هناك قواعد للعبة في سورية يجب التقيّد بها ومراعاة حق اسرائيل في صيد من تريد في سورية ضماناً لتوازن لا يتيح لأحد كسب الآخر في الحرب المدمرة للدولة السورية .
هذه الرسالة الاسرائيلية لحزب الله مرتبطة برسالة أشدّ منها للجمهورية الاسلاميّة الايرانية الواقفة على عتبة العلاقات الجديّة مع الغرب ضمن مساحة تشمل المنطقة ودور يؤسس لعودة جديدة لايران في منطقة أوسطية لا يمكن لأحد اللعب فيها دون تفاهم مع الشيطان الأكبر .
منذ ارهاصات التوافق على الملف النووي بين ايران والمجموعة الدولية واسرائيل تعبّر بصراحة عن تضررها من اتفاق ايراني – أميركي يعطي الأولى في التسوية ما لم تستطع أخذه في مقاطعة الغرب وسعت جاهدة الى كبح جُماح الادارة الأمريكية المُسرعة نحو اتفاق مع ايران تماشياً مع رؤية ادارة أوباما لحل يعطي المجتمع الدولي ما يريده ويعطي ايران ما تسعى اليه من دور مماثل لدورها التاريخي في زمن الشاه .
لذا تبرعت اسرائيل بضرب المنشآت الايرانية ولكن الولايات المتحدّة صدّت دوافع اسرائيل وقررت استيعاب ايران بتحسين شروط التفاهم على ملف خلافي سرعان ما تبين هشاشته عندما ارتضى المعنيّون توضيبه بطريقة تعطي الولايات المتحدة ما تريده ويعطي ايران ما تصبو اليه .
آنذاك كانت القيادة الايرانيّة برئاسة أحمدي نجاة تهدّد اسرائيل وتستدعي المزيد من الغرور الثوري الغير مقروء اذا ما قررت تل أبيب شلّ ادارة البلاد بحرب تدميرية للنيّل من عمليّات التخصيب لليورانيّوم .ولحسن حظ الشعبين الايراني والعبري أن أيّاً من الدولتين لم يحول كلامه الى جدية ملبية لطموحات الطامحين بحرب لم تتعدى حدود الكلام المُباح .
لقد انتهزت اسرائيل فرصة عدم امكانيّة الردّ على عدوانها الأخير في القنيطرة لانشغال الحزب في جبهة يراها أهم بكثير من ثغرة العدو في الجنوب ولانتشار قوته الفاعلة والمؤثرة في المحيط السوري وصعوبة ملئه أو فتح جبهه جديدة في آن معاً كما أن ايران النائمة على حلم أمريكي لا تستطيع بيع الملف النووي بثمن اسرائيلي لهذا حرصت القيادة الايرانية على فعل ما يطمئن الأمريكيين بانتهاج استراتيجية غير معكرة لراحة الغرب .
كما أن ظروف المنطقة المستغلة تماماً من قبل القيادة الاسرائيلية لا تسمح بقيام حرب اضافة الى طبيعة الأجواء في لبنان وسهولة تصدّع أمنه في لحظة تنخرط فيها أطراف لبنانيّون وغير لبنانيين .
لقد هددت القيادة الايرانية وقبل حزب الله في الردّ على العدوان الاسرائيلي من قبل المقاومة تاركين لقادة الحزب متى وأين يكون الردّ الزلزالي ... ولم تتبرع في توجيه ضربات للعدو لأنها لا تريد تفريغ سلتها من الأوراق الأمريكية وخسارة ما ربحته من واشنطن من اهتمام دائم بتسوية عادلة لملف سيغطي دوراً كبيراً اقليميّاً يمنح ايران دوراُ متحكماً بسياسات الشرق الأوسط .