المواقف الأخيرة التي أطلقها السيد حسن نصرالله أحرجت «المستقبل» داخل بيئته في لبنان والعالم العربي، فهل يُقدم على تعليق الحوار مع «حزب الله» كي لا يوفر لمواقفه الغطاء السياسي؟
لقد أظهرت تجربة الحوار بأنه لا يمكن فصل دور «حزب الله» في لبنان عن دوره الإقليمي، لأنّ الاحتقان المذهبي الذي يتمّ التحدث عنه سببه الأساس هذا الدور الإقليمي، وتحديداً قتاله على الجبهتين السورية والإسرائيلية من دون أيّ توافق لبناني على هذا القتال.وقد بدا جلياً أنّ السيد نصرالله في إطلالته الأخيرة حاول جسّ النبض لمعرفة مستوى وحجم وسقف الردود على مواقفه بعد انطلاق الحوار بين حزبه و«المستقبل»، إذ في حال استُكمل هذا الحوار وكأنّ شيئاً لم يكن أو تمّ الاكتفاء بتسجيل التحفظ، يكون الحزب نجح في فرض أمر واقع جديد عنوانه:
تحييد «المستقبل» عن العناوين الكبرى والاكتفاء بالبحث معه في المراكز والأعلام الحزبية. فموافقة «المستقبل» على تأليف حكومة مع الحزب ومن ثمّ الحوار لا تعني غض النظر عن مواقف الحزب ودوره، خصوصاً في حال انتقل إلى التصعيد سياسياً وعسكرياً، الأمر الذي يسبب إحراجاً لتيار الاعتدال السنّي، وهذا ما حصل تحديداً في ثلاثة محاور في خطاب نصرالله الأخير:
المحور الأول، الهجوم على البحرين الذي أثار رداً رسمياً بحرينياً وعربياً ولبنانياً، وقد تكون من المرات القليلة التي يأتي فيها الرد العربي على أمين عام الحزب بهذه القساوة.
وفي هذا السياق لا يمكن لـ«المستقبل» أن يتجاهل مواقف السيد نصرالله التي تسبب له الإرباك والإحراج أمام بيئته والدول الخليجية. فإذا كان الحزب لا يُعبِّر عن الموقف الرسمي للدولة اللبنانية، فهل المطلوب تغطيته بحوارات ثنائية، وإظهار أنّ مواقفه لا تثير اعتراضاً من أكبر تيار سنّي في لبنان؟
وإذا كانت الدول الخليجية تتفهم حاجة لبنان إلى الحوار لضبط الاستقرار، إلّا أنها لا تتفهم في المقابل محاولة هزّ الاستقرار داخلها من قبل فريق لبناني؟
وإن دلّ الموقف البحريني وموقف وزراء الخارجية على شيء، فعلى امتعاض كبير من مواقف نصرالله، وبالتالي هل يمكن أن يصل هذا الامتعاض إلى رفع الغطاء الخليجي عن الحوار بين «حزب الله» و»المستقبل»، لأنه من غير المنطقي أن يتحوّل هذا الحوار إلى منصة لاستهداف الدول الخليجية؟
المحور الثاني، حق «حزب الله» بالرد على الخروقات الإسرائيلية، حيث إنّ إعلان السيد نصرالله أنّ من حقه الرد على كل الخروقات الاسرائيلية الجوية والبحرية والبرية يُحرج «المستقبل» لجهة أنّ سكوته يؤشر إلى موافقته على تحديد الحزب طبيعة الاستراتيجية الدفاعية التي يريدها والتي تجعله ينوب عن الدولة بشكل كامل، فيما الأخيرة تتعامل مع هذه الخروق عبر الوسائل الديبلوماسية والقرار 1701.
وإذا كان صحيحاً أنّ هذه الاستراتيجية من مسؤولية هيئة الحوار الوطني، ولكن على «المستقبل» أن يسجل رفضه وتحفظه وتعليق الحوار معه، لأنّ تمرير هذا التطور الخطير يحوِّله إلى أمر واقع، فيما على الحزب في المرحلة التي يبحث فيها مع «المستقبل» بتخفيف الاحتقان تجميد نشاطه او بالحد الأدنى الاكتفاء بتموضعه ومواقفه تمهيداً إلى تنازلات كإشارات إيجابية، وليس إلى التصعيد على هذا النحو.
وخطورة كلام السيد انه يمثل تطويراً للمواجهة مع إسرائيل في خطوة يرمي من خلالها إلى زيادة الذرائع التي تخوِّله فتح الحرب معها، هذه الحرب التي كانت محصورة في السابق بالدفاع عن لبنان في حال حاولت إسرائيل اجتياحه، وأما اليوم فأصبحت مفتوحة وتتصل بالتوقيت الذي يراه الحزب مناسباً لأجندته الإقليمية، فضلاً عن انتقاله بهذا الموقف من مرحلة التصدي لأيّ هجوم إسرائيلي إلى مرحلة التصدي للخروقات الإسرائيلية وقد ينتقل في مرحلة لاحقة إلى حقه بالتفاوض مع الأمم المتحدة وربما مع إسرائيل في إطار مفاوضات هدنة أو سلام أو ربط نزاع بين بيروت وتل أبيب.
المحور الثالث، يتعلق بحق «حزب الله» بالرد على أيّ استهداف إسرائيلي لأيّ بلد يدخل ضمن محور الممانعة، ويشكل هذا الموقف استكمالاً لقتاله في سوريا الذي ضرب فيه الاستراتيجية الدفاعية والحوار الذي انطلق منذ العام ٢٠٠٦ بعرض الحائط، حيث إنّ ذهابه إلى سوريا ثبّت بالملموس أنّ الحزب قوة إقليمية بأجندة إقليمية، وأنّ لبنان لا يختلف بالنسبة إليه عن فلسطين وسوريا والعراق وإيران. وقد جاء بموقفه الأخير ليؤكد أنه لا يؤمن بشيء اسمه سيادة وطنية، بل السيادة بالنسبة إليه هي سيادة محور الممانعة.
وخطورة هذا الموقف أيضاً أنه يجعل المواجهة مع إسرائيل على الأرض اللبنانية، لأنه بهذا الموقف شرع لإسرائيل ضرب لبنان، فيما كان من مصلحته ومصلحة لبنان أن يبقي التمييز قائماً بين لبنان وسوريا وكلّ محور المقاومة.
فكما أنه يمكن أن يأتي الرد على تل أبيب من بيروت أو دمشق، فإنّ الرد على الرد يمكن أن يأتي أيضاً على لبنان وسوريا معاً، وقد جاء استهداف إسرائيل، بعد أيام على كلام نصرالله، لمجموعة قيادية من «حزب الله» في القنيطرة ليشكل إحراجاً للحزب الذي بات يجد نفسه ملزَماً بالرد، الأمر الذي يجدِّد المخاوف من مواجهة بينه وبين إسرائيل يدفع الشعب اللبناني مرة إضافية ثمنها.
وعليه، هل يُعلّق «المستقبل» الحوار مع «حزب الله»، أم يكتفي بتسجيل التحفظ والملاحظات؟ وهل يمنح «المستقبل» فرصة إضافية للحزب، أم تكون مواقفه الأخيرة إعلاناً لانتهاء الحوار بينهما؟ وماذا عن موقف السعودية والدول الخليجية؟ وهل سيعيد في الجلسة المقبلة للحوار النقاش إلى المربّع الأول تمهيداً للاتفاق على استكمال الحوار أم وقفه؟ وهل مطلوب معالجة أسباب الاحتقان أم مضاعفتها؟