أطلّ في وقت واحد قبل يومين عبر شاشتين الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ووزير الداخلية نهاد المشنوق. ولمن رغب في الاستماع الى "بطولات" تغطي منطقة الشرق الاوسط بكامله كان عليه متابعة مقابلة السيد نصرالله. أما من شاء ان يتابع ما قامت به القوى الامنية لإنقاذ لبنان من قطوعات فتوجه الى مقابلة الوزير المشنوق. إنهما صوتان من بلد واحد لكنهما من منطلقين مختلفين أشد الاختلاف.
لن يعوز المرء إدراك مشاعر الناس الخميس الماضي. ومن باب التذكير كانت ليلة الخميس في أول كل شهر على مدى عقود من القرن العشرين موعداً للملايين في العالم العربي كي يتابعوا حفل السيدة أم كلثوم عبر الاذاعة المصرية. لكن الزمن تغيّر جداً، والمشاهدون اليوم منشغلون بمصيرهم. وعليه، فإن من شاهد نصرالله واستمع اليه يقول: "... قد نضطر (أن) تطلب منكم قيادة المقاومة ان تدخلوا الى الجليل فعلى المقاومة ان تكون جاهزة لتدخل الى الجليل بل الى ما بعد الجليل" استحضر فوراً مشهد مئات الالوف من النازحين الجنوبيين الذين تصرفوا في حرب تموز 2006 كما يتصرف اليوم لاجئو سوريا الذين ما زالوا لاجئين.
في المقابل، من شاهد واستمع الى المشنوق استحضر زمناً كانت فيه الدولة دولة ووزير الداخلية وزيراً للداخلية، على رغم أن المشنوق رفض المباهاة بما أنجزه شخصياً عازياً الفضل الى أبطال الوزارة بالتعاون مع الجيش وواعداً بأن تكون الاجهزة الامنية عيناً ساهرة في عزّ الحريق الذي يجتاح المنطقة ووصل الى لبنان.
باختصار، من تابع نصرالله وهو ممن يعشقون البقاء في الجنوب كان لسان حاله يقول: ليفتش قائد "حزب الله" عن مكان آخر وليعفينا من "نصر إلهي" جديد. ومن تابع المشنوق كان يردد في قلبه: هناك أمل في هذا البلد.
اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة لا يتمنون أن تتكرر بطولات نصرالله بل ينشدون بطولات المشنوق. وللمفارقة أن الحوار دائر بين "المستقبل" و"حزب الله" أي بين تيار المشنوق وحزب نصرالله، لكنه حوار يأخذ بالاعتبار ان لبنان دولة اسكندينافية وليس شرق أوسطية. الطرفان يريدان أن يستمر الحوار لأن "الافق هو وقف الاحتقان والتوتر وهذا انجز بدرجة كبيرة جداً" على حد تعبير نصرالله، في موازاته قول المشنوق "أنا الى جانب الرئيس الحريري بأنه يجب أن نواجه المرحلة بكل أنواع الحوار". حبذا، لو يتحرّك الحوار الى أبعد من حدوده الحالية فيبدأ يطرح بصراحة هادئة مصير الوطن في ظل هذين الخطين المتوازيين اللذين لن يلتقيا: خط زلازل نصرالله وخط أمن المشنوق.
بصراحة، لن يتحمل لبنان أن يكون فيه مرشد للجمهورية الى الحروب ومرشد الى الأمن في وقت واحد. فما تحلبه بقرة البطولات الامنية تلبطه بقرة البطولات الاقليمية والعياذ بالله.