ما بين كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في احتفال جمعية الإمداد وبين مقابلته مع قناة الميادين تبرز ملامح اتجاه جديد لدى الحزب وقيادته، يمكن اختصاره، بالإعلان عن نفسه وحزبه قوة إقليمية للتدخل الميداني على مستوى المنطقة، بعد فترة من التمهيد الإعلامي والسياسي، وبما يوحي أن "شهية" الحزب على التورط في الوحول الخارجية باتت أكبر، وربما جاءت هذه الخطابات بمثابة التمهيد لخطوات من هذا النوع.
الحرب في سوريا والهجوم على البحرين
شنّ نصر الله هجوماً عنيفاً على من وصفها بـ"الجماعات الإرهابية التكفيرية"، واتهمها بمساعدة من يسعى إلى "إشعال حرب إسلامية - مسيحية في المنطقة"، داعياً إلى ضرورة أن تتوحد الأمة في مواجهة هذه الجماعات التي باتت تمثل تهديداً للإسلام كدين، وليس تهديداً لمناطق أو دول أو أقليات، على حد وصفه.
وقال "نصر الله" في كلمة له في احتفال جمعية الإمداد التابعة للحزب، إن "الأمة يجب أن تتكاتف في مواجهة الممارسات الإرهابية لهذه الجماعات، ونفى أي علاقة للإسلام بها، وطالب بالعمل على "عزل الجماعات الإرهابية وإنهائها".
وحول المعارك التي تجري بين الحزب وفصائل المعارضة السورية على الحدود بين لبنان وسوريا قال نصر الله، إن "الإرهابيين أعجز من تنفيذ عمليات واسعة في الجرود كالتي تطالعنا بها وسائل الإعلام".
واقتصر حديث نصر الله في الوضع الإقليمي على ما يجري في البحرين، وتحديداً فيما يتعلق باعتقال الأمين العام لحركة الوفاق الوطني علي سلمان، حيث وصف هذه الخطوة واستمرارها بـ"الخطيرة جداً"، معتبراً أن حكومة البحرين ستكتشف أن ما ترتكبه حماقة وغباء لن يستطيع إيقاف الحراك".
وفي تهديد ضمني للسلطات في البحرين قال نصر الله، إن الساحة في البحرين "لم تنحدر إلى العنف، ليس لأنه لا يمكن استخدام السلاح في البحرين أو إيصال السلاح والمقاتلين، فالبحرين مثل أي بلد في العالم، وأكثر بلد مضبوط يدخل إليه السلاح والمسلحون". وقال إن الشعب البحريني "شعب لديه الحمية والشجاعة، ويستطيع الحصول على السلاح وغير صحيح أنه لا يستطيع الحصول عليه".
ورأى نصرالله أنّ "في البحرين مشروعًا شبيهًا بالمشروع الصهيوني"، وقال: "هناك استيطان واجتياح في البحرين، ويؤتى بالناس من كل انحاء العالم ويعطون جنسية ووظيفة، وابن البلد الأصلي تُسلب منه أبسط الحقوق وأمام أي موقف يسجن أو تنتزع منه الجنسية".
وأضاف: "سيأتي يوم ويسكن البحرين شعب أخر، كما يعمل الصهاينة في فلسطين ليسكنها شعب أخر، والشعب البحريني استمر بالحراك رغم كل ما حدث".
الموقع الإقليمي الجديد
اعلن السيد نصرالله ان الغارات الاسرائيلية على اهداف عدة في سوريا خلال السنوات الاخيرة، هي "استهداف لمحور المقاومة" والرد عليها "امر مفتوح" و"قد يحصل في اي وقت".
واكد نصرالله جهوزية حزبه لمواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة في لبنان، مشيرا الى ان الحزب يملك "كل انواع الاسلحة".
وقال نصرالله في مقابلة مع قناة "الميادين" بثت مساء الخميس، ان "القصف المتكرر الذي حصل على اهداف متنوعة في سوريا هو خرق كبير، ونحن نعتبر ان ضرب اي اهداف في سوريا هو استهداف لكل محور المقاومة، وليس فقط استهدافا لسوريا".
وردا على سؤال عما اذا كان "محور المقاومة" هذا "يمكنه ان يتخذ قرارا بالرد"، قال: "نعم، قد يأخذ قرارا من هذا النوع. (…) يمكن لهذا المحور ان يرد. هذا امر مفتوح وقد يحصل في اي وقت"، مشدداً على ان "احدا لم يقدم التزاما بان الاعتداءات على سوريا ستبقى من دون رد، هذا حق محور المقاومة وليس حق سوريا فقط". وتابع "لكن متى يمارس هذا الحق؟ هذا خاضع لمعايير ستؤخذ بالاعتبار".
واكد نصرالله في المقابلة التلفزيونية جهوزية حزبه لمواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة في لبنان، مؤكدا ان حزب الله يملك كل انواع الاسلحة التي تخطر في البال.
واضاف: "عندما نقول قد نضطر او قد تطلب منكم (من عناصر الحزب) قيادة المقاومة ان تدخلوا الى الجليل، يعني ان على المقاومة ان تكون جاهزة لتدخل الى الجليل، بل الى ما بعد الجليل". وتابع:"نحن الآن اقوى من اي وقت مضى كمقاومة، وان شاء الله سنصبح اقوى مما نحن عليه الآن".
الموقف من تركيا
وقال نصرالله: إن تركيا تقف وراء داعش والنصرة وهي تفتح أمامهما الحدود ولها معهما علاقة عملية وميدانية والنفط الذي يباع ويشكل مصدؤ التمويل الاساسي لداعش يذهب إلى تركيا.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية
يتقدم "حزب الله" باتجاه فرض نفسه قوة اقليمية قادرة على التدخل من البحرين إلى سوريا، حيث كان قد اتخذ موقفاً عنيفاً من البحرين، وأعلن باسم الحوثيين الخطوط العريضة للجماعة في اليمن، خلال مقابلات سابقة.
وقد لاحظنا خلال الفترة الماضية تركيز المحللين التابعين لـ"حزب الله" وآلته الإعلامية على مصطلح ("حزب الله" قوة إقليمية)، وجرى العمل على ترويجه وترسيخه كوصف مرتبط بحالة الحزب الجديدة في ظل الصراعات المندلعة في المنطقة.
ومعنى القوة الإقليمية عبر عنه محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان وأثناء محاضرة له في الجامعة اللبنانية، عندما تحدث عن أن قوة وفاعليه بعض الأحزاب والحركات، ومنها "حزب الله" أقوى مرة أو مرة ونصف من بعض الدول.
وعلى هذه الخلفية، نفهم ما ورد في مقابلة الميادين، من تهديد نصرالله بالرد على الغارات الإسرائيلية في سوريا.
في السابق كانت تقع غارات صهيونية على الاراضي السورية، وكان حزب الله يترك للنظام الأسدي الرد الإعلامي والسياسي، ومن الواضح أن بشار الأسد بات يتحول، حتى علناً إلى مجرد واجهة لإيران، مع تضخم واضح لدور نصرالله وحزبه.
ومن الواضح أن المأزق السوري بات يستنزف الحزب ويستهلكه سياسياً بشكل لم يعد قادراً على احتماله، لذلك لجأ إلى إحياء ورقة الصراع مع العدو الإسرائيلي، لأسباب عدة، أهمها:
ــ إعادة الاعتبار للحزب كقوة مقاومة، وأنه جاهز لخوض الصراع مع العدو الإسرائيلي، كجزء مما يسميه محور الممانعة، وإعادة إنتاج فلسفة التبرير للدفاع عن نظام الأسد، والانخراط في الحرب السورية.
ــ من الناحية العملية، من الممكن أو ربما من المتوقع، أن يتجنب حزب الله انتهاك القرار 1701 في الجنوب اللبناني، وأن يبحث عن مساحة اشتباك محدود جديدة، ستكون داخل الأراضي السورية، ولذلك، ركـّز نصرالله على أن الضربات الإسرائيلية في الداخل السوري، هي ضربات تستهدف محور الممانعة، وبالتالي يحق للحزب، بصفته جزءاً فاعلاً من هذا المحور أن يردّ، كخطوة تضامن فعلي مع عضو المحور المعتدى عليه، وهو نظام بشار الأسد.
ــ أراد نصرالله من خلال كلامه عن تطور وتزايد قدراته الصاروخية أن يدفع باتجاه تغيير المعادلة التي فرضها العدو الإسرائيلي باستهداف قوافل السلاح الآتية من سوريا إلى مخازن حزب الله في لبنان، وبأنه ستكون للضربات الإسرائيلية تداعيات ومواجهات مكلفة إذا استمرت.
فقد استهدفت الغارات الإسرئيلية على سوريا في السنتين الأخيرتين قوافل أسلحة من المرجح أن تكون نوعية، وأنها متوجهة إلى الداخل اللبناني، لتنضم إلى ترسانة سلاح الحزب، في إطار الصراع الإقليمي.. وقد أراد نصرالله بالحديث عن ارتفاع مخزونه الصاروخي القول للإسرائيليين إن ضرباتكم لم تنجح في منعنا من مزيد من التسلح، وأننا ضاعفنا ترسانتنا، وسنرد على ضرباتكم التي تستهدفنا داخل الأراضي السورية.
أما حديث نصرالله عن الدخول إلى الجليل الفلسطيني المحتل، فالأرجح أن السيد نصرالله طرح هذا الأمر، ليقينه بأنه سيحدث ضوضاء إعلامية، في أوساط العدو وفي الإعلام الغربي، أما من الناحية العملية، فإن هذا الطرح يعني إنهاء القرار 1701، مع ما يعنيه ذلك من خلطٍ للأوراق والتوازنات.
ــ فتح نصرالله النار على تركيا، عبر اتهامها بدعم داعش والنصرة، وهو موقف سبقه حزب الله قبل مدة بمحاولة استدراج أهالي العسكريين المخطوفين في جرود عرسال إلى الاعتصام أمام السفارة التركية في بيروت، في محاولة لتكرار سيناريو الضغوط التي مارسها الحزب خلال اختطاف زوار المراقد الشيعية الذين تم احتجازهم في أعزاز.
أبعاد لبنانية
لذلك فإن لموقف نصرالله من تركيا تداعيات، منها:
ــ على المستوى اللبناني: من غير المستبعد أن يحاول "حزب الله" استخدام ورقة العسكريين للاصطدام بتركيا في لبنان، ورغم صعوبة تكرار سيناريو خطف الرعايا الأتراك، إلا أن وجود عسكريين من الطائفة الشيعية بين المخطوفين لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة النصرة، لا يجعل الأمر مستبعداً بشكل نهائي.
ــ على المستوى الإقليمي: يفتح كلام نصرالله الباب أمام توسع رقعة الاشتباك الإيراني – التركي، لأن نصرالله ينطق باسم طهران عملياً، تحت مسمى محور الممانعة، مما يطرح سؤالاً هاماً، وهو كيف ستتطور العلاقات بين طهران وأنقرة بعد إعلان إيران بلسان نصرالله أن البلدين باتا في حالة اشتباك غير مباشر أو بالواسطة، لكنه معلن ومكشوف.
ــ في قضية البحرين: يأتي تصعيد نصرالله على خلفية المأزق الإيراني الناجم عن انخفاض أسعار النفط، وتحميل إيران المملكة العربية السعودية مسؤولية هذا الانخفاض. ذلك أن ساحة الاشتباك المباشر الوحيدة بين السعودية وإيران تكمن في البحرين.
وفي سياق حديثه عن مشروع استيطاني في البحرين، ذكرت أوساط متابعة أن الشيعة في البحرين تم تجنيسهم خلال حقبات سابقة، وهم من أصول إيرانية، لكن فترة التحالف مع شاه إيران، دفعت حكام البحرين إلى تجنيسهم، ومن هنا يصبح الحديث عن الاستيطان نتيجة التجنيس غير منسجم مع الواقع.
وأمام عجز الحكومة اللبنانية عن وقف تصعيد نصرالله، يعود شبح طرد اللبنانيين من دول الخليج إلى البروز، نتيجة ردات الفعل الواسعة التي أحدثها موقف نصرالله وخطابه، حيث امدت الإدانات من الدولل الخليجية إلى الجامعة العربية، حيث تم طرح مشروع لإدانة "حزب الله".
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل سارع إلى الاعتراض في الجامعة العربية، بحجة أن لبنان لا يتحمل مسؤولية مواقف أحزاب لا تمثل موقف الحكومة الرسمي، لكن وجود الحزب في حكومة الرئيس تمام سلام يجعل الموقف أصعب على الجميع.
الآتي في سياسة "حزب الله" سيكون مملوءاً بالتحديات وبتوسيع دائرة الصراع، وفي المقابل، فإن أعداء الحزب سيسعون جهدهم للتوسع في مواجهته، وهم رغم وصف السيد نصرالله لهم بأنهم "مركبين تركيب" إلا أنهم لا يفتأون يشكلون قوة يعجز الحزب ونظام الأسد وميليشياته والمرتزقة الآتون من دول أوروبا الشرقية.. عن هزيمتهم، ولا يكاد النظام يتقدم خطوة، حتى يتراجع عشرة.
سؤال أخير: ترى هل يراعي خطاب السيد نصرالله مستلزمات الحوار الداخلي مع "تيار المستقبل"، أم أنه سيزيد إحراج التيار بغية إخراجه، قبل أن يصل الحزب إلى الانقلاب التقليدي والمنتظر على الحوار ومقرراته..؟؟