تكررت التهديدات الامنية في لبنان، وكان آخرها ما اشيع عن تفكيك سيارة مفخخة، واحباط عمليات تفجير كانت قيد الاعداد. والحال ان التهديدات، اذا كان قسم منها مبالغاً فيه، فإن قسما منها في المقابل حقيقي بدليل التفجير الاخير الذي اصاب منطقة جبل محسن، ولولا قرار "التهدئة" في البلد، ومفاعيل "الحوار" بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، لغرقت طرابلس الكبرى في جولة جديدة من القتال الذي اعتادته في الاعوام السابقة. نعم، التهديد حقيقي، ولكن البلاد "ممسوكة" بقرار "التهدئة" بين القوى السياسية الكبرى التي تتقاطع مصالحها حول هذا القرار حتى اشعار آخر. لكن ماذا لو تكررت التفجيرات اكثر من مرة؟ اغلب الظن ان "التهدئة " ستصمد اذا ما ظل "حزب الله" ملتزما على قاعدة ان "تيار المستقبل" وحلفاءه ليسوا الجهة التي تقف خلف التفجيرات، ولا علاقة لهم بالمنفذين السابقين او اللاحقين. ان الجهات التي يمكن ان تنفذ تفجيرات في البلد ضد "حزب الله" وبيئته الحاضنة هي تنظيمات ذات بعد اقليمي، وهي أطراف أساسية في المعركة الدائرة على ارض كل من سوريا والعراق. وفي المقابل فإن "حزب الله" مصمم على التورط في الدماء السورية، وهو جزء من المعركة، مما يعني ان خطر حصول تفجيرات انتقامية في لبنان سيتزايد. واذا كانت الاجهزة الامنية الرسمية وغير الرسمية قادرة على احباط العديد من التفجيرات هنا وهناك، إلا انها حتما غير قادرة على منعها كليا. لا شك في أن عملية تفجير واحدة او اكثر ستنجح، وسيقع الضرر على المواطنين الآمنين اكان ذلك في مناطق سيطرة "حزب الله" وسط بيئته الحاضنة، ام حتى خارجها.
التهديدات حقيقية، والخطر حقيقي. واذا كانت "التهدئة" الداخلية غير مهددة في المدى المنظور، إلا ان هذا لا يلغي امكان حصول تفجيرات، وخصوصا ان "حزب الله" بتورطه في الدماء السورية، وباعتباره طرفا في الصراع المذهبي الحاد في المنطقة يزيد حجم الاخطار على كل الصعد. هذه احدى إشكاليات الحوار مع "حزب الله" الذي لا يزال يرفض اي مراجعة في تورطه في سوريا بالرغم من انه تسبب بدفع بيئته الحاضنة ضريبة دم باهظة الثمن بسقوط اكثر من الف وثلاثمئة قتيل في حرب عبثية. انها اشكالية تحدّ من فاعلية "الحوار" مدخلاً لتحصين الاستقرار الداخلي، وكقاعدة يمكن التأسيس عليها مستقبلا لانتاج تسوية تاريخية في البلد.
ما يصح في مسألة التورط في الدماء السورية يصح ايضا في قضية ميليشيات "سرايا المقاومة" وهي في الحقيقة تجميع لعصابات من الخارجين على القانون من هنا وهناك، واذا ما واصل "حزب الله" اعتبار الموضوع خارج كل نقاش، فإنه يكون كمن يعلن ايضا وبصراحة ان "الحوار" غير مجد من الاساس. من هنا دعوة الحزب المشار اليه الى اجراء مراجعة فعلية لاخطائه، وما اكثرها.