هزّت العالم جريمة باريس التي نفذها مسلمون متشددون وذهب ضحيتها 12 صحافيا فرنسيا يعملون في صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة، بعد ان سخرت من شخص النبي محمد (ص) عبر رسوم كاريكاتورية بشعة ودنيئة،مع العلم ان عادة تلك الصحيفة هي السخرية من الأديان جميعا دون استثناء.
إثر ذلك، ومع ادانة العالم كله تقريبا للمجزرة الباريسية، فان جمهور االمسلمين وقع في حيرة، وانقسم الرأي العام العربي بين مؤيّد لقتل من آذى سمعة رسول الله وصوّره أبشع تصوير، وبين معارض لعمليّة القتل الجماعية هذه، وان المجموعة الارهابية التي قامت بهذا العمل الشنيع لا تمثل الاسلام.
حملنا هذه الإشكالية المحيّرة الى سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين الذي تحدّث حول هذا التساؤل قائلاً:
في المبدأ لا يكون الإرهاب وسيلة من وسائل الجواب على من يتمادى في الاستفادة من الحريات المشرّعة عموماً في الغرب كما فعلت الصحيفة الفرنسية، ونحن العرب أو المسلمين ليس بوسعنا ومن خلال الأعمال العنفية والإرهابية أن نضيّق من حدود هذه الحريات حتى لو كانت تؤدي إلى النيل من بعض المقدسات الخاصة بنا كمسلمين.مع العلم أن مدى هذه الحريات والإعلامية منها بصورة خاصة لا يمسّ مقدساتنا فحسب وإنما يمسّ حتى المقدسات إنما أديان وضوائق أخرى ومنها الحساسيات الدينية في الغرب نفسه.
ونحن مع تقديرنا للحريات المشرّعة لكننا لا نستطيع أن نوافق على تجاوز جوهر الحرية بوصفها تتضمن الاحترام للآخر وخاصة لمقدساته، وبالتالي بوسعنا أن نشنّ نقداً عنيفاً على ما ينجم عن استعمال هذه الحرية عن إضرار للآخر عقيدة ومقدسات.
لكن السؤال: هل إن مواجهة هذه الظاهرة تكون بوسائل العنف والإرهاب كما حصل أخيراً في فرنسا والذي استغلّ لإدانة الإسلام وليس المسلمين المتطرفين وعكس بأنه الدين الذي يشرّع الإرهاب ويغطيه؟
هنا نتوقف ونحاول أن نستلهم رؤيتنا لهذا النوع من السلوك في الإسلام نفسه بوصفه ديناً يدعو إلى السلام وإلى المحبة وإلى التعارف على مستوى الجماعات البشرية فنجد أنّ هذه الوسائل ذات الطابع الإرهابي تتنافى وجوهر السماحة التي تميِّز الإسلام. وفي تقديرنا أن الترفّع عن مثل هذه الأساليب العنفيّة في مواجهة هذه الأشكال في التعدي على مقدساتنا سوف يشكّل رصيداً إيجابياً للإسلام وللمسلمين يدعم منطقهم عندما يدينون مثل هذا عدوان المواقف الإعلاميّة والفكرية ويبرّر لهم أن ينشئوا حملات إعلامية وسياسية وفكرية واسعة ويردوا على هذه الانتهاكات المشينة سواء لشخص رسولنا الأعظم أو المقدسات الأخرى في ديننا الإسلامي.
وبهذه المناسبة نؤيد رؤية الأزهر في الدعوة إلى “تجاهل” ما قامت به الصحيفة مجدداً من تكرار للرسوم المسيئة لنبينا مستفيدة في التعاطف الشعبي والرسمي معها، خاصة وأن وسائل العنف الرادعة وفي هذا الوقت بالذات، أي القيام بأعمال إرهابية مرّة أخرى سوف يعقد المشكلة ولا أحسب أن هذه الصحيفة وغيرها سوف تتراجع بصورة مباشرة عن التمسّك بما تسمية “الحرّية” التي تعلو فوق كل المقدّسات بنظر الغرب، كما أنّ القيام بعمل إرهابيّ جديد سوف يفسح في المجال المزيد من التكتّل على مستوى دول العالم على الأقل لمواجهة الدول والشعوب الإسلامية بإجراءات قد تكون أكثر اساءة المسلمين، وخاصة القاطنين منهم في اوروبا بشكل خاص، وهو ضرر أكثر بكثير من ضرر التجاوز عن هذه الإساءات التي تتمثّل في تعريض مقدساتنا للإهانة.
وهنا أود أن أشير إلى مبدأ إسلامي قرآني تعبر عنه الآية الكريمة: “وجادلهم بالتي هي أحسن”، أو قوله تعالى: “فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم” بأقل الحالات، مع التذكير ان الصحيفة الفرنسية علمانية لادينية، وأن الإسلام لا يسوّغ الاعتداء على المقدسات الدينية الأخرى، فالإسلام لا يشجع بصورة عامة على استخدام العنف إلا ضمن القوانين، ولا يتيح لأي فرد مسلم أو جماعة باتخاذ قرارات خطيرة أو تنفيذها دون الرجوع إلى شرعية تستند إلى المؤسسات والمرجعيات الدينية التي يمكن لها أن تتخذ مثل هذه القرارات الحرجة والكبيرة مع مراعاة المصلحة العامة، وتسميتها حرجة وكبيرة نظراً لنتائجها الغير مدروسة والتي قد تحدث ضرراً كبيراً على المسلمين كافة أو على قسم كبير منهم.
وبالخلاصة فإنني لا أؤيّد اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف والإرهاب في مواجهة مثل هذه الظاهرات المستنكرة والمدانة من قبلنا، واعتبر أن الزمن وتطوّر المجتمعات الإسلامية، سوف يكون كفيلاً بإنتاج شكل آخر من أشكال التعامل والحوار والضغط المعنوي لوقف مثل هذه الوسائل وإشعار المتمسكين بالحرية هناك بأن تجاوز حدودها لن يفيدهم، فلا يجوز ان تمارس باسم الحرية تعديات تأخذ بنتيجتها هذه الصورة السلبية بسبب النيل والتهجّم على مقدسات الآخرين.