لم تبد مصادر ديبلوماسية تفاؤلا كبيرا من جملة الحوارات، إلا أنها شددت على إيجابيتها في تخفيف الإحتقان. وعلقت بالقول «لا ننتظر كثيرا من هذه الحوارات القائمة على المستوى التنفيذي، إلا أنها مهمة للتأسيس لمرحلة ما بعد الإتفاق».
وبانتظار إعلان الإتفاق النهائي بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، المتوقع في حزيران المقبل، تبقى الحوارات حواراً «في الوقت الضائع»، حتى ذلك الحين، تضيف المصادر، يتعين على الفرقاء كافة إدارة الصراع في الحكومة، القائمة بأعمال الرئاسة في لبنان،
ورجحت المصادر ألا تفتح ملفات «عمق سياسية»، بل أن تعالج الملفات ذات الإختلاف المحدود، على شاكلة الإتفاق على «الزبالة» عبر الصفقة التاريخية المعروفة، التي تقسم صافي مداخيل الـ400 مليون دولار بين الأقطاب السياسيين، مع «بعض التطعيم» وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، مما ينعكس إيجابا أيضا على «التفاهم والتضامن الحكومي» في ملفات مختلفة، ولكن أي تغيير جذري يقلب المياه الساكنة اللبنانية لن يتم، في ظل غياب أي نية في تغيير حقيقي في البنية السياسية اللبنانية، وعدم قبول المجتمع الدولي بأي خطوة «غير إصلاحية جذرية، كإجراء إنتخابات على أساس الستين، الذي يعطي شرعية لطاقم سياسي أصبح بمثابة مدير «الأمر الواقع».
وتوقفت المصادر عينها عند إختلاف «المزاج الأميركي» من مقاربة الإدارة الأميركية لموضوع العلاقة مع حزب الله، والتفكير الجدي في «فك الإشتباك»، باعتبار أن حزب الله أصبح يشكل عامل استقرار في الداخل اللبناني، مع وجود قيادة ضابطة للشارع، وفي نفس الوقت تحترم قواعد الإشتباك، بحيث لم يسجل أي خرق لإطلاق النار على جبهة الجنوب منذ سنوات عدة، وكل العمليات «المحدودة والمحددة» أصبحت تجري لإيصال رسائل سياسية، أكثر منها القيمة العسكرية، واستعيض عن الإشتباك المباشر بالإرتباط والتنسيق، من خلال إعطاء الدور الأكبر للجيش اللبناني المنتشر بالآلاف على الحدود الجنوبية.
وتوقعت المصادر ان يفتح الاتفاق المرتقب الأميركي ـ الإيراني آفاق إيجاد حلول في الملفات العالقة كافة، وأن يشمل ذلك لبنان، بحيث يزيل مشروع الحل السياسي من ترسانة حزب الله الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى التي يمتلكها الحزب، والتي تشكل تخويفا للأمن الإسرائيلي، كما يتيح اشرافا دوليا على مناطق التنازع النفطي بين لبنان واسرائيل.
في سياق متصل، ربطت المصادر بين ما قاله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، واللقاء الديمقراطي، النائب وليد جنبلاط، في معرض حديثه عما تناوله اللقاء مع «الصديق جيف» عقب لقائه أنه تحدث «عن لا شيء وفي كل شيء»، وبين شعور الساسة اللبنانيين بالعجز، وتحول معظمهم إلى صراع المكاسب الضيقة، بعيدا عن أي رؤية سياسية أو محاولة لإيجاد حلول للأزمات المستعصية التي تعصف بالمشهد اللبناني، متحدثة عن «الصبر السياسي» المطلوب، في ظل العجز عن تحقيق أي خرق في جدار الأزمة، واستمرار الستاتيكو برغبة إقليمية.
وفي سياق الملف الرئاسي، قالت المصادر إن الكرسي مرشح للبقاء في حالة الفراغ، مع تغير الناخبين، مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية لم تعد الناخب الأساسي في الإنتخابات الرئاسية، كذلك فقد النظام السوري هذه الميزة، بالمقابل، فإن كلتي الدولتين تمتلكان «حق الفيتو» على أي من المرشحين الكثر، واصفة أن عددstakeholders في الموضوع الرئاسي أصبح كبيرا جدا، بحجم الملفات المطلوب التفاوض عليها.
وحول الوضع الإقليمي، أردفت المصادر القول إنه لم يعد سرا أن الموقف الأميركي من النظام السوري تبدل، مشيرة إلى أن حلفاء واشنطن في العالم العربي أصبحوا أكثر فهما لهذا الواقع، فالنظام السوري أثبت تماسكه وقوته، في صموده رغم كل التحديات، واستقطابه نسبة كبيرة من المعارضين إلى أطروحة «لحماية ما تبقى من المزيد من الدمار»، ومن خطر داعش والنصرة وغيرها، معتبرة أن ذلك لاقى صدى في الأوساط الأميركية التي تخلت عن فكرة إسقاط الرئيس بشار الأسد، مقابل الإهتمام الفوق العادة، باسقاط داعش وإبعاد خطره عن الشرق الأوسط، خصوصا مع وصول هذا التنظيم المتشدد إلى قلب اوروبا، وتهديده أمن الولايات المتحدة القومي، وأمن حلفائها.
لأجل ذلك، تعتمد الإدارة الأوبامية الدرس العميق والمكثف لأي خطوة ولو بالشكل إعلامية، قبل الإقدام عليها، وما غياب الرئيس أوباما عن المظاهرة الرسمية المليونية في باريس إلا مؤشر إلى «الترقب» الذي يعتري واشنطن مع استضافتها مؤتمرا عالميا لمكافحة الإرهاب في الأشهر المقبلة.
وقالت المصادر إن الولايات المتحدة أصبحت تتطلع إلى الجمهورية الإسلامية كشريك مفترض أو محتمل ، وقد علت الكثير من الأصوات في الدوائر الخارجية التي أصبحت تحتسب الثمن السياسي للكباش مع الجمهورية الإسلامية، مقابل الثمن السياسي لتحالف معها، أو لتفاهم حول الملفات الإقليمية، التي فرضت الجمهورية الإسلامية حضورها فيها، بدءا بلبنان فسوريا فالعراق فاليمن، كما على المستوى الإقتصادي، مع الإستراتيجية السابقة التي كرستها الديبلوماسية الأميركية منذ عهد الوزيرة كلينتون، والمتعلقة بـ«الإلتفات إلى الشرق» مع ما يعنيه ذلك من شراكة مطلوبة مع التنين الصيني، وغيره من الدول التي تصادق الجمهورية الإسلامية، خصوصا أن هذه الأصوات أصبحت تعتبر أن «شيطنة» الثورة الإسلامية على مدى عقود عدة، لم تأت بجدوى، بل على العكس، كان ذلك سببا للمزيد من التماسك في النظام الإيراني، والإلتفاف حول الثورة، ومرشدها، الولي الفقيه.
وذكرت المصادر أن الحاجة إلى فقه إسلامي معاصر، من منطلق الغيرية، يجعل الدور الإستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه الجمهورية الإسلامية أكثر من مطلوب ومهم، في ظل ضعف الأثر السياسي لفتاوى المؤسسات الدينية الإسلامية الأخرى، في ظل فوضى الفتاوى وعشوائية المنابر.وختمت بالقول إن الهجوم الإرهابي العنيف على الصحيفة الفرنسية، والذي «علل اسلاميا» جعل العالم كله ينظر قدما إلى «إسلام معتدل»، تبدو الجمهورية الإسلامية في إيران «المرشحة الأوفر حظا لتمثيله».