لم تكن عملية الحوار الجارية بين حزب الله وتيار المستقبل من جهة والتيار الوطني الحر والمستقبل من جهة ثانية والحوار المستجد بين عون وجعجع من جهة ثالثة وليدة الصدفة إنما جاء بعد متغيرات إقليمية ودولية لا بدّ من التوقف عندها طويلاً لأنها أنضجت الظروف لمثل هذه الحوارات...
فعلى الصعيد الدولي تغير الموقف الأميركي تجاه الملف السوري بعدما سيطرت داعش والقاعدة وأخواتها على مجريات المعركة داخل المعارضة السورية والمعارضة العراقية فسيطرت داعش وأخواتها على مساحات كبيرة من العراق وسوريا وبات خطرها يهدد المنظومة الأميركية المتحالفة معها دول الخليج وتركيا وإسرائيل الأمر الذي دفعها مضطرة أمام هول المشروع الداعشي وذبح مواطنيها ومواطنين غربيين آخرين والخشية على مصالحها الى بناء تحالف دولي ضد ما يعرف بالإرهاب.
على الصعيد الإقليمي صمد محور إيران سوريا الحوثيين حزب الله وحقق نقاطاً هامة في هذه المواجهة، وأصبحت السعودية وتركيا محرجتين بعد تمدد داعش والحوثيين وعلى الصعيد الداخلي بلغ التوتر السني الشيعي ذروته متداخلاً مع العامل السوري المتمثل بالنازحين السوريين ودورهم في الصراع وتمدد التطرف السني على حساب الإعتدال السني المتمثل بالسعودية (سعد الحريري). هذه العوامل والعناصر مجتمعةً أمّنت مناخات إيجابية للتلاقي والحوار، ومهّدت الطريق أمام الضربات الأمنية المتكررة للتطرف السني، كان أولها في طرابلس والشمال ولن يكون آخرها سجن رومية حيث العين تتطلع الى عرسال وعين الحلوة وغيرهما...
هذا الأمر سهّل التلاقي بين القطبين الإسلاميين حزب الله وتيار المستقبل ولاحقاً بين عون وجعجع. وفي قراءة سريعة لمجريات هذه الحوارات ونتائجها نستنتج ما يلي:
- أولاً: لن تفضي هذه الحوارات الى حلول جذرية للملفات العالقة الكبرى وأبرزها انتخابات رئيس الجمهورية، إنما تهدىء الأوضاع حول دور حزب الله في الأزمة السورية وتمنعها من الإنفجار ريثما تصبح دول القرار جاهزة لحل هاتين المعضلتين لكنها بنتائج الحوار الأولية أفضت الى الإتفاق على وقف الحملات الإعلامية وسحبت صقور التشنج والتجييش المذهبي من على وسائل الإعلام، فخفت صوت خالد الضاهر ومعين المرعبي وأمثالهما ولجمت وسائل الإعلام لكلا الطرفين وأمّنت الغطاء السياسي لحسم بؤر التوتر الأمنية في طرابلس والشمال وسجن رومية.
- ثانياً: ستكون هذه الحوارات لعباً في الوقت الضائع وحرقاً للوقت حتى تنضج الظروف الإقليمية وبذلك تكون الأجواء الداخلية قد مُهدت لإنجاز طبخة الرئاسة وغيرها...
- ثالثاً: سهلت عملية الحوار توحيد الرؤيا تجاه ملف العسكريين المخطوفين، وعليه نستطيع القول للبنانيين أن لا ينتظروا نتائج هامة من هذا الحوار سوى الذي أشرنا إليه في جوهر هذه القراءة.
- رابعاً: مقايضة الوضع الأمني وإنهائه في طرابلس والشمال بالوضع الأمني في البقاع والإتفاق على القضاء على ظاهرة الخطف والسرقات...