يبدو أن الأمل يتضاءل شيئا فشيئا عند اللبنانيين بإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية المهزوزة في المدى المنظور ولم يعد ذلك من باب القراءات السياسية أو التحليلات الصحفية بل أن كل المؤشرات المبنية على وقائع ميدانية تؤكد على عجز القوى السياسية المحلية الفاعلة على الاحتفاظ بحقها بانتخاب الرئيس. فالمسألة انتقلت بالكامل إلى الخارج وخصوصا الدول ذات التأثير الفاعل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
وهذه المسألة ليست جديدة على اللبنانيين. فالرئاسة الأولى على الدوام كانت صناعة خارجية الا في حالة واحدة كانت ربما استثنائية وهي انتخاب الرئيس الأسبق المغفور له سليمان فرنجية الذي بدا وكأنه صناعة داخلية ولكن مع ذلك فإن انتخابه ما كان ليتم لولا نصيحة جاءت في آخر لحظة حيث جاء من همس في أذن رئيس مجلس النواب يومها وقبل دقائق من بداية الجولة الأخيرة للتصويت وأدت إلى انتخابه بفارق صوت واحد جاء لمصلحته حيث فاز فريقه بإدارة الحكم في البلاد.
فالقاعدة التي كان يتم اعتمادها لانتاج الرئيس تأتي ترجمة لنقطة تقاطع مصالح بين دولة إقليمية ودولة كبرى حول شخصية معروفة بالاعتدال وغير مستفزة لأحد فيتم التوافق عليها لتكون كلمة السر التي يتم تبليغها إلى النواب وكأنها الوحي السماوي الذي لا يجوز الاعتراض عليه فيتم على هذا الأساس انتخاب الرئيس العتيد وبذلك يكون الخارج هو عاملا مساعدا في إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
أما اليوم فالأمر مختلف كليا مع هذا الملف. فالخارج ليس فقط لا يساعد اللبنانيين لانتخاب رئيسهم بل ان تشابك الملفات الإقليمية و الدولية وتضارب المصالح دفعت بالدول المؤثرة مباشرة بالشؤون اللبنانية إلى استخدام ملف الرئاسة كورقة تعزز موقفها التفاوضي حول قضايا تعني مصالحها الخاصة. ومن الواضح أن إيران وهي الدولة الاكثر تأثيرا في الشأن اللبناني عبر حليفها حزب الله فإنها تمسك بورقة الرئاسة ولا يبدو أنها على استعداد للإفراج عنها دون ثمن.
وهذا الثمن تطلبه من الولايات المتحدة الأميركية تحديدا خلال المفاوضات الجارية بينها وبين الدول الغربية وعلى رأسهم أميركا حول الملف النووى. وهذا يعني وخلافا لكل التصريحات العلنية أن إيران تحولت إلى عامل معطل للانتخابات الرئاسية من خلال الإصرار على ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون دون غيره من المرشحين الموارنة.
وأي كلام غير ذلك فهو تمويه للحقائق ومضيعة للوقت. فهذه حقيقة تؤكدها الوقائع وخصوصا التحرك الفرنسي باتجاه إيران والذي لم يجدي نفعا. على ان الأخطر من كل ذلك تلك المعلومات التي تتداولها اوساط سياسية في هذا الاطار وتؤكد بأن مسألة انتخاب الرئيس مؤجلة إلى أمد غير محدد وداحضة لكل النظريات او ما يمكن اعتبارها تمنيات بأن تحصل العملية الانتخابية في آذار المقبل.
وعليه فان الأطراف السياسية في البلد تتعاطى مع القضايا وكأن الفراغ الرئاسي أصبح واقعا طبيعيا وعلى الجميع التعامل مع الأمور على هذا الأساس....