الحديث مع أيّ سياسي أو ديبلوماسي إيراني أو عربي أو أجنبي في طهران لا يمكن إلّا أن يستحضر كلّ ما تشهده المنطقة من أحداث وتطوّرات سياسية وعسكرية، ذلك أنّ السياسية الإيرانية تتابع كلّ ما يجري، ما يجعل من طهران محجّةً سياسية لكثير من المهتمّين بشؤون المنطقة لاستشراف المستقبل الإقليمي.
يقول الإيرانيون إنّ المعادلات بدأت تتغيّر في المنطقة هذه الأيام، في ضوء التطوّرات العسكرية الميدانية في كلّ من العراق وسوريا. ويرَون أنّ العراقيين قد استعادوا زمامَ المبادرة في مواجهة «داعش» وأخواتها. وكذلك فإنّ السوريين من جهتِهم يحقّقون يومياً مزيداً من التقدّم في الميدان في مواجهة مسلّحي المعارضة بمختلف فصائلها «الداعشية» وغيرها.ويرى الايرانيون أنّ الأجواء العالمية تشير الى أنّ المجتمع الدولي لجأ الى اعتماد المواقف والخطوات التي كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية تدعو إليها ضد الجماعات المسلحة المتطرفة، فالغرب استفاد من هذه الجماعات من دون أن يظهر نفسَه أنّه حليف أو داعم لها، وها هو اليوم يجاهر ويتظاهر في أنّه يحاربها، ولذا فإنّ الردّة الغربية ضد الجماعات المتطرّفة والتكفيرية تعتبرها إيران مكسباً، خصوصاً أنّ هذه الجماعات باتت غير مقبولة في الاقليم وعالمياً في ضوء ما ترتكبه من فظائع ومجازر لا يقبلها الدين والعقل.
ويعتبر الايرانيون انّ التطورات التي حصلت في اليمن أواخرَ السنة الماضية تكتسب اهمّية كبيرة، على رغم توجيه الاتّهام لطهران بالتدخّل في الشأن اليمني، ولكن مَن يقوم بالأنشطة هناك هم يَمنيون يعملون ضمن الاستراتيجية المشتركة المعتمَدة في ايران والعراق وسوريا، وهي استراتيجية مقبولة شعبياً لأنّها تعتمد على القوى الذاتية لدى شعوب هذه الدوَل في تقرير مصيرها بنفسها تحت شعار «إنهاء مرحلة الاستعمار القديم ومرحلة الاستكبار الجديد»، وهو شعار مشترك، ولكن لكلّ دولة خصوصيتها، وليس بالضرورة أن يكون هناك اعتماد للأسلوب الايراني نفسه في الحكم. ويؤكّد الايرانيون أنّ الرؤية الاستراتيجية المشتركة هي التي خلقَت معادلة جديدة في ايران والعراق وسوريا.
أمّا بالنسبة الى دوَل الخليج العربية، فيقول الايرانيون «إنّ مجلس التعاون الخليجي ليس موحّد الموقف إزاء الأزمات والتطوّرات الجارية في المنطقة، فسلطنَة عمان تختلف في سياستها من الألِف الى الياء عن بقيّة الدول الخمس الاعضاء في المجلس، ويعلن المسؤولون العمانيون صراحةََ أنّهم لا يؤيّدون السياسات التي اعتمدَتها هذه الدول الخليجية في أزمات هي غير معنية بها، ولكنّهم يقيمون علاقة ممتازة مع جميع دوَل المنطقة، ويؤكّدون أنّهم ليسوا مكلّفين تنفيذ سياسات مشتركة مع مجلس التعاون الخليجي، وقد رفضوا فكرة تحوّل المجلس الى اتّحاد.
ويلفت الايرانيون الى دولة الكويت فيؤكّدون أنّ موقفها شبيه بالموقف العماني، وأنّ ظروفها الاقليمية لا تسمح لها باتّخاذ مواقف أو القيام بأيّ خطوات كتلك التي تخطوها بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي، فهي دولة مجاورة للعراق عموماً وللشريط الشيعي منه تحديداً، وتعتبر أنّ البصرة هي عمقها الاستراتيجي وليس منطقة الأنبار. ولذلك فإنّها، من وجهة النظر الايرانية، ليست في وارد الدخول في مغامرات في المنطقة ضد أحد.
وبالنسبة الى دولة الإمارات، يقول الايرانيون إنّها منقسمة في الموقف إزاء الأوضاع في المنطقة، ففريق من المسؤولين فيها يهتمّ بالمستقبل الاقتصادي للبلاد، فيما حكومة ابو ظبي ليست في مسار متطابق كلّياً مع الموقف السعودي.
أمّا قطر التي دفعت أموالاً طائلة تمويلاً للجماعات المتطرفة في سوريا وغيرها فهي تحاول إعادة مدّ الجسور مع إيران، وعبر طهران تتحدّث عن الأزمة السورية بلغة إيجابية محاولةً استعادة الموقع الذي خسرَته في المنطقة، وفي الوقت نفسه بدأت تتّخذ خطوات متسارعة لإعادة تطبيع علاقتها مع العراق.
وعلى صعيد المملكة العربية السعودية، يؤكّد الايرانيون أنّ العلاقة بينها والجمهورية الاسلامية الايرانية لم تنقطع، وأنّ التواصل موجود بين البلدين على رغم ما تشهده العلاقة من خلافات، وأحياناً من توتّرات. ويقولون إنّ الاستراتيجية الايرانية إزاء السعودية هي أنّه على رغم وصول الخلاف مع الرياض الى مرحلة المواجهة السياسية فإنّ طهران لا ترى فائدةً من قطع «شعرة معاوية» مع الجانب السعودي، وتصرّ على استمرار العلاقات معه حتى ولو كانت على مستوى السفراء فقط.
ويؤكّد الايرانيون أنّ الرياض، على رغم المواقف المتشدّدة التي يتّخذها بعض المسؤولين السعوديين ضد طهران واتّخاذهم خطوات ضدّها بالتعاون مع بعض الدوَل الغربية، لم تقطع من جهتِها أيضاً «شعرةَ معاوية» مع طهران، ما يعني أنّ هذه «الشعرة» ستكون السبيلَ الذي يُبنى عليه لاحقاً للوصول إلى تفاهمات سعودية ـ إيرانية لا مفرّ للبلدين من التوصل إليها لِمَا لها من انعكاسات إيجابية على دوَل المنطقة خصوصاً، وعلى العالم الإسلامي عموماً.