إستبعَد نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، «إتمامَ الاستحقاق الرئاسي قريباً، بسبب التعقيدات الموجودة فيه، وإنْ كانَ موقفنا واضحاً باختيار الجنرال عون»، مؤكّداً في حوار مع «الجمهورية»، على هامش مؤتمر «الوحدة الإسلاميّة» الذي نظّمه «مجمع التقريب بين المذاهب» في طهران الأسبوع الماضي، أنّ الحوار بين «الحزب» و«المستقبل»، أطلقَ «مرحلة جديدة من الاستقرار»، موضِحاً «أنّ الحوار الداخلي يستهدف جَمعَ المختلفين، لا تفرِقة المتّفقين». وأشار إلى «أنّ ظروف العابثين بالأمن لم تَعُد مؤاتية مثلما كانت سابقاً»، مشدّداً على أنّ «التوجُّه العام هو لرفضِ الإرهاب التكفيري ومَنعِ تأمين حاضنةٍ له». وقال إنّ عجَلة الحوار السعودي - الإيراني لم تنطلق حتّى الآن، وإنّ هذا الحوار، إذا حصل، «سيُضفي إيجابيّة على كلّ الحوارات في المنطقة». ولفتَ إلى «أنّ التهديد الإسرائيلي للبنان دائمٌ، ونتعامل معه على أساس الجهوزيّة الكاملة»، معتبراً أنّ «المنطقة تشهَد حالَ انعدامٍ في الوزن، ولا حلولَ جاهزة». وقال: «إنّ الحركة الروسيّة في شأن الأزمة السورية هي محاولة لإيجاد حراكٍ قد يَزرع شيئاً لمُستقبل سوريا». وهنا نصّ الحوار:
• لقد قُلتَ في خطابك في مؤتمر «الوحدة الإسلاميّة» إنّ لبنان دخَلَ مرحلة الاستقرار. هل هذا الكلام مبنيّ على الحوار الدائر بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل»؟
- بالتأكيد كلّ خطوة تُقرّب بين اللبنانيّين تُؤدّي إلى مزيد من الاستقرار، لذا عندما انطلقَ الحوار بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل»، اعتبَرنا أنّنا أمام مرحلة جديدة من الاستقرار الإضافي في لبنان، ذلك أنّ أجواء الاحتقان تتبدّد، وظروف العابثين بالأمن لم تَعُد مؤاتية بنحوٍ كافٍ مثلما كانت سابقاً، والتوجُّه العام هو لرفض الإرهاب التكفيري ومَنع تأمين حاضنة له، وهذه كلّها عوامل تساعد على مزيد من الاستقرار، لأنّ الاستقرار ليسَ مجرّد قرار بل يَحتاج آليّات عمل، وتعاوناً للأطراف بعضهم مع بعض.
ولو كان هناك طرف من الأطراف لا يرغب في الاستقرار، أو يَعتبر أنّ مشروعه لا يتمّ إلّا بتخريب الساحة، فهذا سيُسبّب ضرَراً كبيراً. الحمد لله، نحن اليوم مع هذا الحوار الذي يجري بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل» توصُّلاً إلى وضعٍ أفضل ومزيد من الاستقرار على الساحة، ونأمل في أن تتطوّر الأمور أكثر فأكثر.
• البعض يقول إنّ هذا الحوار نَسخة مصغّرة عن حوار إيراني - سعودي، هل هناك مِثل هذه الخلفيّة لهذا الحوار؟
- لم نَطَّلع حتى الآن على وجود حوار إيراني - سعودي مباشَر ومُمكن. ولو حصلَ حوار مماثل، لأعلَنَ البلدان ذلكَ، لأنّه علامة إيجابيّة. وكلّ من البلدين يعرف تماماً كم هي فائدة أن يتحاورا وأن يُبرزا هذا الحوار، وأن يَخطُوَا خطوات إلى الأمام لمناقشة القضايا المشتركة بين البلدين والتي تهُمّ البلدين. لكن، بحسب اطّلاعي، لم تنطلق عجَلة الحوار السعودي - الإيراني حتّى الآن.
وما يجري في لبنان بين «حزب الله» وحزب «المستقبل» له علاقة بتطوّرات المنطقة والأخطار التي تُهدّدها، لكن في الأساس هو ينطلق من ضرورة حماية لبنان من التأثّر الإضافي بالتطوّرات الإقليميّة. لذلك، إذا أردنا إعطاءَ نفحة داخليّة إضافيّة للحوار في لبنان، فهذا ممكن، لكنّه ليسَ انعكاساً مباشَراً للحوار السعودي - الإيراني غير الموجود حاليّاً، والذي إذا حصَل، فسيُضفي مزيداً من الإيجابيّة على كلّ الحوارات التي تجري في المنطقة.
• أين موقع استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوريّة من هذا الحوار، خصوصاً أنّه مطروح على جدول أعماله؟
- عندما نصل إلى النقاش في موضوع الرئاسة خلال الحوار، سيُبدي كلّ طرف وجهة نظره. ووجهة نظر «حزب الله» معروفة، نحن حَسَمنا خيارنا ومَن سنختار رئيساً للجمهورية، ويبقى أن يقتنع الطرف الآخر بهذا الخيار، أو تكون له مسارات أخرى. لكن بالنسبة إلينا، لا أعتقد أنّ الأمر قريب بسبب التعقيدات الموجودة في مسألة الرئاسة، وإنْ كان موقفنا واضحاً باختيار الجنرال عون.
الحوار المسيحي
• إلى أيّ مدى يُمكن أن يتكامل الحوار المسيحي الذي يُحكى عنه، مع الحوار بين «الحزب» و»المستقبل»، في سياق تأمين المناخ المناسب لانتخاب رئيس للجمهورية؟
- الحوار ليس شبكة معقّدة ومترابطة، الحوار هو فكرة كلّما تعزّزَت بين الأطراف اللبنانيّين نَقَلت الخلاف من المشهد الإعلامي إلى الغرَف المغلقة، وهذا يُخفّف من التبَاري الإعلامي السياسي في إبراز مساوئ الآخر، أو تظهير الخلاف السياسي بنحو بشِع. إذاً، الحوار مِن أيّ طرف مع أيّ طرف مفيدٌ في لبنان، لكي نتخلّص تدريجاً من التباري الإعلامي - السياسي غير المنصِف في توصيف الخلاف السياسي وحدوده.
• البعض يتخوّف من أن يؤدّي الحوار إلى تحالف رباعي جديد، ويعمل من الآن على إحباطه. فما رأيكم بذلك؟
- الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» واضح ومكشوف ومعلَن الأهداف، ونقاطُه ستُطرَح تباعاً على الرأي العام، ونتائجُها ستكون واضحة للجميع. هذا حوار لتعزيز التواصل والاستقرار والنقاش في مختلف القضايا، وليس لتأسيس جبهة مقابل جبهة، ولا تكتّل في مقابل تكتّل، هو حوار لِجَمع المختلفين، وليس لتفرقة المتّفقين.
• ماذا يمكن أن يُقدّم هذا الحوار على صعيد المعالجات الجارية للقضايا الداخليّة الخلافيّة؟
- فلننتظر لنرى خطوات هذا الحوار وتقدُّمَه، قبلَ أن نبنيَ أبنيةً شاهقة عليه، ونُمدّدها إقليميّاً ودوليّاً.
المشهد الإقليمي
• ما قراءة «حزب الله» للمشهد الإقليمي في ضوء استحقاقات التفاوض الإيراني - الدولي في شأن الملف النووي الإيراني، خصوصاً أنّ البعض يقول إنّ معالجة ما يجري في المنطقة سيُتوَّج بالاتّفاق على الملف النووي الإيراني؟
- لنَكُن واضحين، المنطقة الآن هي في حال انعدام وزن، ولا توجَد حلول جاهزة وهناك ملفّات عدّة قد يصل بعضها إلى حَلّ، وقد لا يصل البعض الآخر إلى حَلّ. ومن الخطأ أن نبنيَ الآن، وكأنّ كلّ شيء يحصل هو متشابك، بحيث لا تنفكّ مسألة عَن مسألة أُخرى. نعم، المتشابك الوحيد هوَ أنّ المراوحة في المكان هي سيّد الموقف، ولا توجد حلول نهائية أو جذريّة. أمّا أيّ ملفّ يُعالَج أوّلاً، وكيفَ ينعكس على الملفّات الأخرى، فعلينا الانتظار قبلَ إصدار الأحكام في هذا السياق.
• ما تقييمكم للحراك الروسي لحَلّ الأزمة السورية؟
- الحركة الروسيّة هي محاولة لإيجاد حراك قد يزرع شيئاً للمستقبل، وقد يفتح كوّةً صغيرة في هذا النفق المظلم، لكن لا يبدو أنّنا أمام حلول قريبة.
• هل تعتقدون أنّ لبنان ما زال في دائرة التهديد الإسرائيلي في ضوء كلّ ما يجري في المنطقة، وبعدَ كلّ الهزائم التي مُنِيَت بها إسرائيل؟
- التهديد الإسرائيلي للبنان لا يتوَقّف، ونحن نتعامل معه على أساس الجهوزيّة الكاملة والدائمة تحسُّباً لأيّ طارئ، وإنْ كانت كلّ الظروف الإسرائيليّة الآن لا تُساعد على أن تتحرّك إسرائيل خطوةً واحدة في اتّجاه لبنان، فهي لديها إرباكاتها الداخليّة من جهة، خصوصاً مع الفلسطينيين، وكذلك لديها حساباتها التي تردعها عن مواجهة «حزب الله». لذا، لا نتوَقّع أيّ شيء قريب، مع التأكيد أنّنا جاهزون دائماً.
• شاركتُم في مؤتمر «الوحدة الإسلاميّة للتقريب بين المذاهب» في طهران، فإلى أيّ مدى يُمكن أن يكبحَ هذا المؤتمر جماحَ الفتنة المذهبيّة التي تهدّد العالم الإسلامي برُمَّته؟
- مؤتمر «الوحدة الإسلاميّة» هو شكلٌ من أشكال دعم الوحدة، ومن الخطأ أن نبنيَ عليه، لأنّ الوحدة ستحصل بسببِه أو أنّ اللجان التي ستشكَّل ستنتِج الوحدة في العالم الإسلامي. المؤتمر هو شكلٌ من أشكال تَلاقي الأفكار وتبادُل النصائح وتناوُل المعلومات المختلفة، تمهيداً للتعاون في مجالات مختلفة.
ومن هذه الزاوية، فإنّ المؤتمر نافعٌ ومفيد، وهو تطرَّقَ إلى التحدّيات والآليّات، وتبقى الأعمال الأخرى المختلفة التي لا بُدّ من إنجازها لمواجهة التحدّي التكفيري، أو مذهبةِ النزاع أو مواجهة إسرائيل أو التبَعيّة الأميركيّة، فكلّها تحدّيات تتطلّب مواجهة. فلسنا أمام تحدّ واحد، لكنّ المؤتمر خطوةٌ إيجابيّة نحو المعالجة.