في آب من العام الماضي، وتحديداً بعد انتهاء شهر رمضان، كان من المقرّر أن تدخل القوى الأمنيّة إلى سجن رومية. «عملية التطهير»، التي نالت في حينه دعماً من الأطراف السياسية، سرعان ما باءت بالفشل بعدما خطفت التنظيمات الإرهابيّة في جرود عرسال عدداً من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي.

 

طوال الوقت كان "اقتحام رومية" حلماً يراود الأمنيين، الذين لطالما حذّروا من أنّ الطبقة الثالثة في المبنى "ب" تحوّلت إلى "إمارة إسلاميّة" منها تنطلق العمليات الإرهابيّة التي حصلت في الآونة الأخيرة، وإليها تعود.

 

الجميع كان يردّد ويسرّب صوراً لـ"نزلاء الطبقة الثالثة"، الذين لهم حظوة امتلاك الأدوات والأجهزة الكهربائيّة المتطوّرة من تلفزيونات وأجهزة رصد... بالإضافة إلى الهواتف الذكيّة والانترنت السريع و «مدّ السفر» بالمأكولات على أنواعها.. حتى وصل الأمر عند بعض الأمنيين إلى الجهر بأنّ دخول الطبقة الثالثة وتفتيشها دونها طمستحيلات" ولن تنفّذ من دون وصول "الدم إلى الرّكب" داخل "واحة رومية". هؤلاء كانوا يتوقّعون أن يقوم "الموقوفون الإسلاميون" باحتجاز العسكريين الذين سيدخلون إلى الطبقة، كما كان يحصل سابقاً، وحتى الإجهاز عليهم بالآلات الحادة التي يمتلكونها.

 

أمس، وبـ"قدرة قادر" تمّ تنفيذ الخطّة الأمنيّة عند "وجّ الصبح"، ونُقل "إسلاميو الطبقة الثالثة" ومعهم سائر السجناء في المبنى "ب" منه إلى المبنى "دال"، ومن دون أن تسيل قطرة دمٍ!

 

كلّ السيناريوهات التي كان يحكى عنها سقطت دفعةً واحدة أمام مشهد اقتحام أقلّ من 50 عنصراً من قوى الأمن الداخلي الملثمين (القوة الضاربة والمعلومات الفهود)، الطبقة الثالثة من المبنى "ب" والتي تحتوي على أكثر من 250 من "الإسلاميين"، وذلك بمساندة عناصر من الجيش خارج رومية، إذ كانت قيادة الجيش في جوّ ما يحصل وأبلغت بالعمليّة، بحسب مصدر أمني.

 

كذلك لم ترضخ الأجهزة الأمنيّة لتهديدات التنظيمات الإرهابيّة التي تحتجز العسكريين. ولم يقم "الموقوفون الخطرون" أيضاً باحتجاز عنصر واحد من قوى الأمن الداخلي أو استلّ أحدهم سلاحه الأبيض. كلّ ما حصل هو عمليّات تمرّد من خلال قيام هؤلاء بوضع العوائق على أبواب الزنازين لمنع العناصر الأمنيّة من الدخول على وقع هتافات "الله وأكبر"، وإشعال فرش الإسفنج وقيامهم أيضاً باقتلاع بلاط "السيراميك" من الأرض وضرب العناصر الأمنية بها، ما أسفر عن جرح 3 عناصر بجروح طفيفة، بحسب مصادر أمنيّة رافقت العمليّة.

 

في المقابل، كانت التعليمات الموجّهة إلى العناصر التي نفّذت "عملية الصباح" داخل السجن واضحة: إياكم والمسّ بأي موقوف أو محكوم مهما فعل! ولذلك لم تسفر العمليّة عن جرح أي من المساجين. فالسلاح الذي استخدمته العناصر الأمنيّة كان عبارة عن سلاح مطاطي، بحسب المصادر الأمنيّة. وتؤكّد هذه المصادر أن لا صحّة للصور التي سرّبت بأن هناك جرحى بين صفوف المساجين، مشيرةً إلى أن هذه الصور مفبركة وهدفها التشويش على العمليّة. وتلفت الانتباه إلى أنّه "لو سقط جرحى كان لزاماً علينا أن ننقلهم إلى المستشفيات، على اعتبار أنّ لا وجود لمستشفى داخل السجن ولا يمكن بالطبع تخبئتهم".

 

ويقول رئيس "شعبة المعلومات" العميد عماد عثمان لـ"السفير" إنّه "كان هناك عدد كبير من السجناء، وكان الامر مفتوحا على كل الاحتمالات، ونفذنا عملا امنيا متقنا وبنجاح تام".

 

ويشدّد لـ "السفير" على أنّه "بعد عمليّة أمس لم يعد هناك رومية بالمعنى الذي كان سائدا. وما حكم عملية أمس، هو هيبة الدولة".

 

ويضيف: "لقد سبق لنا أن قمنا بعملين أمنيين في سجن رومية منذ مدة وقمنا بضبط الوضع بما يتوجب، ولكن كون هذا الأمر المتعلق بهؤلاء السجناء هو الأخطر قمنا بتحضيرات تتناسب وحجمه، وتم إعداد خطة لمعالجة هذا الوضع بإشراف مباشر من وزير الداخلية نهاد المشنوق وقيادة قوى الأمن الداخلي، وأيضاً بتوجيه من قبل رئيس الحكومة تمام سلام".

 

إذاً، العمليّة التي لطالما تمّ تأجيلها كانت "نظيفة" ونفذت "بسرعة البرق"، على عكس "عبارات التهويل" التي كان الأمنيون يردّدونها. لماذا؟ كلّ الألغاز يمكن أن تسقط بالاعتبارات السياسيّة! يتفق المعنيون عند إجابتهم عن "لماذا" على كلمتين لا ثالث لهما: إنّه "القرار السياسي"، فيشدّدون على أنّ "هذه العمليّة جاءت استكمالاً للخطّة الأمنيّة في كلّ لبنان، ولكنّها لم تتمّ إلا بعد اتخاذ القرار السياسي".

 

فيما يؤكّد مصدر أمني أنّ "ما جرى هو من جهة عملية أمنية موضعية لعلاج مرض مزمن أمكن استئصال ورمه في عملية أمس، ومن جهة ثانية عملية استباقية لقطع الطريق على احتمالات خطيرة لاحقة". ويضيف: "القوى الأمنية تمتلك ما يجعلها تخشى من محاولات لإرباك الساحة الداخلية بتوترات أمنية على شاكلة تفجيري جبل محسن، وقد يكون سجن رومية احد محركاتها كما ان لدى الأجهزة معلومات أكيدة عن تحضيرات لمجموعات إرهابية لمهاجمة بعض السجون ومنها سجن الريحانية، وكذلك سجن رومية بتفجير عبوات وسيارات مفخخة، وما يخشى منه هو ملاقاة تلك العمليات من داخل السجن بما قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه".

 

في المقابل، يقول محامون عن بعض الموقوفين الإسلاميين إنّه لو كان أمر اقتحام المبنى "ب" يقتصر على التحقيق مع من يشتبه بهم أنّهم كانوا على اتصال بمنفذي عمليّة جبل محسن الأسبوع الماضي، لكانوا استدعوهم من دون "هذه الضجّة الإعلاميّة". الدليل على ذلك، بالنسبة لهم أنّ القوى الأمنيّة حقّقت مع أبرز المشتبه بضلوعه بعمليات إرهابيّة منذ أسابيع قليلة، وفق ما يردّدون.

 

وبالتالي، يمكن القول إنّ الأجهزة الأمنيّة استفادت من مسألة ضلوع البعض في تفجيري جبل محسن، حتى تسحب من أفواه السياسيين "الغطاء السياسي" لتنفيذ هذه العمليّة التي طال انتظارها، أقلّه ليتحوّل مساجين الطبقة الثالثة من نزلاء إلى موقوفين في سجن بحسب السجون المتعارف عليها.

 

يعرف الأمنيون المعنيون بهذه العمليّة أنّه من الصعب ضبط كلّ الممنوعات من الغرف في يوم واحد. وهم لذلك عملوا على نقل المساجين أوّلاً إلى المبنى "د" وضبط بعض الممنوعات التي بحوزتهم (الهواتف)، بالتزامن مع تفعيل أجهزة التشويش على الهواتف داخل السجن. وستقوم القوى الأمنيّة خلال الأيّام المقبلة بمسح دقيق للغرف من خلال تصوير محتوياتها وتسجيل من كان مسجوناً فيها ثمّ تسجيل محضر بالممنوعات وسحبها من هذه الغرف أو حتى التحقيق مع مالكيها إذا استدعى الأمر. وتلفت المصادر الأمنيّة الانتباه إلى أنّ "التفتيش لن يقتصر على الأمور التي نراها بالعين المجرّدة، فنحن نعلم أن الكثير من الممنوعات موجودة تحت البلاط أو خلف الحيطان! وهناك الكثير من الأمور التي اكتشفناها ولن نعلن عنها الآن".

 

أما عن التحقيقات مع المشتبه بهم، فلا رقم محدداً عند أي من المعنيين، بالرغم من أن فرع "المعلومات" بدأ تحقيقاته مع بعض المساجين على أن يستكملها خلال الأيام اللاحقة.

 

في المحصّلة فعلها نهاد المشنوق ونجح مع قوى الأمن الداخلي بتنفيذ "عملية محكمة أمنياً" أنهت "أسطورة رومية" التي نسجت من الخيال حيناً ومن الواقع أحياناً كثيرة.