قبل نهاية العام 2014 انطلق حوار بين حزب الله وتيار المستقبل، أكبر ممثلين للطائفتين الشيعيّة والسنيّة، يهدف إلى تخفيف وهج الاحتقان المذهبي.
وبعد فترة وجيزة وضعت طبخة لقاء التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانيّة على نار حامية لإنضاج حوار مسيحي – مسيحي يؤمل منه التوصل إلى توافق حول شخصيّة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العتيد وإخماد الخلافات المسيحيّة.
حواران، في حال ظفرا بنتائج، سيحملان في طياتهما آمالًا كثيرة قد تنعكس إيجابًا على ديناميّة العمل السياسي في الدولة اللبنانيّة، لكنهما عكسا مخاوف درزيّة من التفاف مسيحي وآخر مسلم عليهم، فيصبحون بالنتيجة "فرق عملة"؛ ومخاوف مسيحيّة من توافق رباعي بين حزب الله وحركة وأمل والمستقبل والتقدمي الاشتراكي يفقدهم كلمة الحسم في ملفات حيويّة، وفي مطلعها انتخابات رئاسة الجمهورية.
أخبار ذات صلة المسيحيون في لبنان : مواطنون درجة أولى الاستقبال الشعبي على الساحة الدرزيّة، لا يجد نديم فائدة ترتدّ على الطائفة وقاعدتها من الحواريين المذكورين، لأنهم لن يحصلوا على مكاسب، ويقول: "إذا اختلفوا أو تصالحوا فلن يربح الدروز، لأننا الحلقة الأضعف في لبنان. في تحالف الأكثريات تخسر الأقليات. و
لو أن المعطيات والتجارب لا تنذر بنتائج نظرًا للخلاف الجذري بين هذه الأطراف". توقّعات نتائج الحوارَين هي نفسها لدى شريحة من المسيحيين وللأسباب نفسها، فإسلاميًا هناك خلاف عمره 1400 سنة يصعب تناسيه بين ليلة وضحاها، ومسيحيًا هناك انقسام عمره ثلاثين سنة من الصعب تضييق إطاره فجأة، إلّا إذا قدّم الفرقاء السياسيون المصلحة المسيحيّة العليا، بحسب ما يقول شربل، ويضيف: "إن التقارب الشيعي – السنّي مستبعد ولا يهدف سوى إلى تخفيف الاحتقان، وكذلك الأمر بالنسبة للوحدة المسيحيّة نظرًا لكثرة المرجعيّات لدينا، ولكنها ضرورة بسبب التحجيم الذي نال منّا منذ بداية التسعينات حتى اليوم، وبسبب الضعف الذي صبغ علاقاتنا مع الجماعات الأخرى في الدولة". الحواران القائمان ضروريان لعزل لبنان عن المحيط الملتهب، بحسب ما يقول محمد:
"قد لا يفضي الحوار بين المستقبل وحزب الله إلى اتفاق، ولكنه ضروري لإبعاد نار الفتنة السنيّة – الشيعيّة، كما أنه لن يخوض في تحالفات جديدة هي شبه مستيحلة بسبب الارتباطات الداخليّة بالقوى الإقليميّة وصعوبة التفلّت منها". هل يُعزل الدروز؟
ما هي النظرة الدرزيّة إلى الحوارين وما هي المخاوف الناتجة عنهما؟
يقول مفوّض الإعلام في الحزب التقدّمي الإشتراكي، رامي الريّس، لـ"النهار": "لقد كنّا من العاملين والمشجّعين والدافعين في اتجاه عقد حوار بين حزب الله وتيار المستقبل، ورحّبنا بانعقاد حوار بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانيّة، الدروز لا يعيشون في جزيرة معزولة، وأيّ انفراجات على المستوى الوطني العامّ ستصبّ في مصلحة الدروز، كما تصبّ في مصلحة الطوائف الأخرى. لسنا قلقين من الحوارات المفتوحة في كلّ الاتجاهات، لا بل هذا مطلبنا الأساسي".
وعمّا إذا كان هناك ارتياح تجاه حوار حزب الله وتيار المستقبل الذي سعى له النائب وليد جنبلاط مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أكثر من ذلك الكامن تجاه حوار التيار الوطني والقوات اللبنانيّة؟ يردّ الريّس: "أبدًا، نحن من دعاة فتح كلّ قنوات الحوار بين كلّ المتخاصمين، ولا ننزعج من الحوار المسيحي – المسيحي، لأننا طالبنا به في أكثر من محطّة لما قد يساعد في تحقيق توافق مسيحي حول موضوع رئاسة الجمهوريّة، ويحقّق انفراجات في هذا الملف المعقّد منذ أشهر عدّة".
لا بيضة قبّان بعد اليوم! وعن انعكاس الحوارَين وخصوصًا المسيحي – المسيحي، على دور "بيضة القبّان" التي لعبها النائب وليد جنبلاط منذ حوالى عقد، وإثارة امتعاض واستفزاز المسيحيين من ترشيحه نائبًا من كتلته لمنصب رئاسة الجمهوريّة، يقول الريّس: "دور بيضة القبّان التي لعبها وليد جنبلاط كانت نتيجة ظروف وضعتنا في هذا الموقع، ونحن لا نسعى لتوظيف هذا الموقع لخدمة المصلحة الوطنيّة، مع العلم أن ترشيح النائب هنري حلو هو حقّ لكتلة اللقاء الديموقراطي.
وفي حال حصل اتفاق بين الكتل الكبرى على مرشّح آخر فنحن لن نقف حجر عثرة في وجهه، وعندها ينتهي دور بيضة القبّان الذي يبدو أنّه أزعج الكثير من الفرقاء".
جمود في التركيبات وكيف يستفيد الدروز من الحوارَين؟ وهل صحيح أنّ هناك نوايا عكست مخاوف عند المسيحين من إقامة اتفاق رباعي يضعهم خارجًا؟
يردّ: "الدروز يستفيدون من تكريس حال الاستقرار والسلم الأهلي، هم جزء من النسيج الوطني والاجتماعي اللبناني، وأيّ مناخات شأنها أن تعزّز العيش المشترك والتقارب بين اللبنانيين تصبّ حتمًا في مصلحة الدروز ومصالح الطوائف الأخرى.
وعلى المقلب الآخر، فإن لدى كلّ الفرقاء حرصًا كاملًا على أن يكون الرأي المسيحي في الاستحقاق الرئاسي هو الرأي الأساسي، وذلك يتطلب أن يبذل الفرقاء المسيحيون جهودًا كثيفة للخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه، كما أن الحوار بين حزب الله والمستقبل كما أوضحا مرارًا هدفه تنفيس الاحتقان المذهبي، ولا يسعى لإعادة إنتاج تحالفات جديدة".
عودة إلى الأحجام الطبيعيّة وكيف ينظر إلى انعكاسات هذين الحوارين مجتمعيًا على الجماعات الطائفيّة التي تشكّل النسيج السياسي اللبناني؟ يشرح الدكتور في علم السياسة والاجتماع، بسام الهاشم، لـ"النهار": "في تاريخ النزاعات، وبكلّ أسف، ضرب الجماعات حقوق بعضهم وارد، لكن من غير المنطقي السعي لتصحيح التوزان والانتقاص من حقوق المسيحيين، وعدم القيام بالأمر نفسه مع الدروز.
فرفع الظلم عن جماعة لا يتمّ عبر رميه على جماعة أخرى. والبلد لا يستقرّ إلّا عند تطبيق مبادئ العدالة وحماية حقوق الجميع. عمليًا ما يحدث الآن هو نتيجة قانون الانتخابات والتقسيمات التي اعتُمدت، وأعطت أحد الأطراف الدرزيّة القدرة على تمديد تمثيلهم والتحكّم بالنتائج منذ العام 2005 حتى اليوم، وهو ما كُرّس في انتخابات 2009 النيابيّة. ففي حال تفاهم الأطراف فيما بينهم سيعود كلّ طرف إلى حجمه بدءًا من الدروز".
ويتابع: "هناك شكوى من تطبيق اتفاق الطائف وتغيير صلاحيات رئيس الجمهوريّة، علمًا أن أي ديموقرطية لا تستوي في ظلّ إلغاء المرجعيّة الضابطة إيقاع الجمهوريّة، وإلغاء الأدوات الدستوريّة التي تحملها لحلّ هذه الأزمات. أرادوا "قصقصة" جوانح المارونيّة السياسيّة ولكنهم خربوا الدولة.
هذه الحوارات المنطلقة إذا أوصلت إلى نتيجة، يُفترض أن تعيد التوازن وتضع الأمور في نصابها، وتعطي حقوقًا لكلّ طرف فتمنع التمدّد على حساب الآخرين، وتعيد كلًا إلى حجمه الطبيعي والحقيقي، ولا تقصي الآخرين وإنما تدمجهم لاحتواء التنوع.
وهناك أداتان لحظهما اتفاق الطائف لصون حقوق الطوائف كلّها، وليس الدروز فقط: تحقيق اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة والإنمائيّة، وإنشاء مجلس شيوخ ليكون صمام الأمان لحماية حقوق الطوائف. لذا يجب تصحيح الخلل بتطبيق اتفاق الطائف وتنفيذ ما هو غير منفّذ في مضامينه". فيفيان عقيقي