كان جميلاً أمس المشهد من العاصمة الفرنسية، حيث التقى زعماء العالم للتضامن مع باريس المفجوعة بألم التضييق على حريتها وعلمانيتها والاعتداء على مبادئ الجمهورية والثورة. ربما لا نلتقي مع كثير من تعابير الأسبوعية الفرنسية "شارلي إيبدو"، لكننا نتحوّل "كلنا شارلي" عندما يتعلق الأمر بإسكات مؤسسة او فرد بقوة القتل والتفجير، والإرهاب الذي بات خطراً عالمياً يتهدد فرنسا، كما كل أوروبا، وأكثر عالمنا العربي الذي بات يدمن الإرهاب ويعيش في ظله.
فالمشهد من العراق، الى سوريا، فلبنان، لا يختلف كثيراً، وهو كذلك في اليمن وليبيا وأماكن أخرى من عالم باتت تحكمه شريعة الغاب. ولعلنا في لبنان أكثر خبرة، ووجعاً أيضاً، من إرهاب تمادى، واتخذ أشكالاً مختلفة، من قتل سياسيين واعلاميين، وخطف على الهوية، واعتقالات أدخلت كثيرين في مجاهل السجون الاسرائيلية والسورية، وتفجيرات متنقلة آخرها كان ليل السبت في جبل محسن بطرابلس.
وكان جميلاً أيضاً المشهد في بيروت حيث تضامنت مجموعات شبابية وإعلامية وحقوقية مع باريس، على رغم الألم اللبناني بمقتل تسعة مواطنين وجرح 50 يضافون الى المئات الذين سبقوهم، وسقطوا شهداء دفاعاً عن الحرية المشتهاة والتي ما زلنا يومياً ندفع ثمناً لتثبيتها والمحافظة عليها على رغم الضغوط ومحاولات الترهيب والاغتيال المعنوي التي تتابع مسيرة الاغتيال المادي.
والإرهاب لا دين له، ولا طائفة، ولا مذهب، ولا هوية وطنية. الارهاب مرض ناتج من تعقيدات كثيرة ومتداخلة تفيد من الدين وتتغطى به. وليس في الأمر دفاع عن الإسلام في ذاته، إذ أن كل دين يحمل في بذوره بعض عنف ناتج من حجة الامساك بالحقيقة المطلقة، مما يستدعي رفضاً للآخر في معتقده وتفكيره. والإرهاب ليس صراع ديانات، إذ أن التفجيرات في جبل محسن، او في الضاحية الجنوبية، أو في أي مكان آخر تتجاوز المذهب الى الانتماء السياسي لهذه المجموعات، والصراعات الدموية في أكثر من دولة عربية، والمجازر إنما ترتكب بين أبناء الدين الواحد.
إن حجّة الدفاع عن الله، أو عن النبي، حجّة ساقطة، لأن الله وأنبياءه جميعاً لم يدعوا الى قتل النفس، بل الى كلمة سواء، والى الحسنى. والدفاع عن الله وأنبيائه لا يزيدهم رفعة، ولا يقلّل قدسيتهم، بل إن وسائل الدفاع في ذاتها تسيء الى جوهر الله الذي هو محبة ويعمل على تقريب الناس بعضهم الى بعض إذ كلّهم "عيال الله" و"أكرمكم عند الله أتقاكم".