بعد طيّ صفحة المحاور في باب التبانة ,وجبل محسن, نتيجة لتفاهمات سياسية بين المتضررين من تنامي موجات التيّار السلفي بطبعته الجهادية المتطرفة , و بعد أن استفاقت طرابلس على خطّة أمنية أراحت البلاد والعباد من حرب ضروس لم يسلم من نارها أحد من أهالي المنطقة , تبين أن الفتنة بين المنطقتين وبين الطائفتين عصيّة على حلول مكثفة أفضت الى هُدن كثيرة , ولكنها لم تستطع أن تضع أوزار الحرب التي طحنت بشراً من بسطاء المتقاتلين .
عندما تنفّس الشمال جرّاء الخطّة الأمنية ,وتمكُن المؤسسة العسكرية من السيطرة على الأمن في طرابلس ,كاد المستحيل أن يصبح ممكناً بفعل خيارات لبنانيّة حررت المنطقة من أعباء الخلاف على عناوين داخلية غير مرئية, وعلى مستقبل سوري لا يملك أيّ من المناصرين للنظام, أو المعارضة ,تحديد هويته الجديدة . ومنحت اللبنانيين فرصة الراحة من انكماش طائفي كاد أن يتحوّل الى أكثر من ذلك في لحظات ساخنة لولا تدارك البعض لمخاطر الاقتتال الطائفي المجاني في لبنان والمفضي الى نتائج غير مرضية للطائفيين أنفسهم .
بهذا اللحاظ تبين وبعد مضيّ أشهر على الخطّة الأمنية في طرابلس وهروب المسببين لها من روّاد جبل محسن وقادة محاور باب التبانة الى جهات مجهولة أن ملف الفتنة مفتوح على فضاء أكبر من خطّة محليّة أمنيّة وسياسيّة وأن محاولات كسر الجليد بين طرفيّ الطائفتين " الآذاريتين" الكبيرتين في لبنان تستطيع أن تحدّ من المشكلة الطائفية الاّ أنها لا تستطيع حلّ المشكلة ذات الأبعاد المتعددة الوجوه والمضاعفات .
لقد فتحت جريمة جبل محسن باب الأمن مجدداً على خيارات لبنانية لا تستدعي كما يعمل البعض على التهميش أو التخفيف من زنة عبوتها الطائفية, واعتبارها مجرد لهو ارهابيّ هوايته اللعب بأمن اللبنانيين , وضرب مصالحهم المباشرة في العيش المشترك ,أو كما تدّعي جهات مسؤولة بالقوّة لا بالفعل بأن الفاعل هو نوع من الجنون الارهابي المماثل لجنون البقر, وبالتالي يجب أخذ الحيطة والحذر, وتجنب أمكنة أنتشاره الوافد منه ,أو المقيم بين اللبنانيين . بل العمل السريع على قطع جذور الأسباب المؤدية الى دفع الكثيرين نحو التهلكة الانتحارية خاصة وأن للتطرف أسبابه الاجتماعية والسياسية, ودون ذلك سيبقى المشهد اللبناني واقفاً أمام المشهدين العراقي والسوري وبحماسة زائدة و أشدّ من حماسة العراقيين والسوريين أنفسهم للحرب الدائرة في بلديّهما .
أعتقد أن المعنيين غير متشجعين على توفير أسباب ايجابية تنقي المناخ العام من سمومه لذلك يبقى آملنا بضاعة رخيصة لا سوق لها في منطقة تعصف بها رياح داعشية عاتيّة من شأنها أن تحوّل لبنان وغيره الى عصف طائفي مأكول .