حلت العاصفة زينة ضيفا على لبنان منذ ما يقارب الخمسة أيام ولم تكن ضيفا خفيف الظل على اللبنانيين. فبالرغم من كل الهدايا والخيرات التي حملتها معها زينة إلا أن الدولة اللبنانية بقيت قاصرة وعاجزة عن القيام بواجب الإستقبال الذي يليق بها وكأنها تفاجأت بهذه الزيارة مع ان هذا الزائر الكريم أرسل جملة رسائل صاخبة ومدوية يبلغ المسؤولين اللبنانيين عن موعد قدومها إلا أن هؤلاء المسؤولين وخصوصا المعنيين المباشرين منهم والمكلفين بإقامة مراسم التشريفات لهذا النوع من الزيارات والضيوف.
تركوا الأمور تجري على عواهنها دون الإقدام على تكليف خواطرهم لاتخاذ الإجراءات والاحتياطات المناسبة وإقامة الترتيبات الملائمة التي تليق بهذا الضيف.
زينة عصفت بطبيعة لبنان بسمائه وأرضه ومناخه وصالت وجالت في كل ربوعه في السهول والجبال والوديان والصخور في المدن والقرى والدساكر في الشوارع والازقة والأحياء ووزعت هداياها وخيراتها بالعدل والقسطاس على كافة أراضيه من الشمال إلى الجنوب مرورا بالجبل والعاصمة وانحناءا نحو بقاعه الشمالي والاوسط والغربي دون ان تترك زاوية أو ناحية منه محرومة من خيراتها وبركاتها.
فالعاصفة زينة ألتي هالها معاناة اللبنانيين في الصيف الماضي من أزمة المياه بسبب سنوات العجاف ألتي مرت عليهم وافرغت مخزونات جبالهم وانهار الأودية من العنصر الأساسي والضروري للحياة أرادت أن تعوض عليهم في هذا الموسم ما افتقدوه في مواسم منصرمة من أمطار غزيرة وثلوج تكلل قم من الشامخة لترتوي الأراضي وتزدهر الزراعات المتنوعة وتمتلىء خزانات جباله ألتي تتفجر منها الانهار مياها عذبة ولذيذة تروي اراضيه وتحولها إلى اراض خصبة وغنية بالإنتاج الوفير ويعم الخير في البلاد.
فكانت زينة أرحم على اللبنانيين من حكامهم الغارقين في ملذاتهم ومفاسدهم واغرقوا البلد في بحر من الفساد والاستهتار ولم يكلفوا انفسهم عناء استقبال زينة ببعض الاحتياطات ألتي تقي الشعب اللبناني التداعيات الناجمة عن مفاعيل الحاشية المرافقة للضيف من رياح وانواء أدت إلى اقتلاع الكثير من الأشجار المثمرة والبيوت البلاستيكية الزراعية ووقوع بعض الأعمدة الكهربائية مما تسبب بتخريب الشبكة وأدت إلى إنقطاع التيار الكهربائي عن العديد من المناطق اللبنانية وكذلك فإن الأمطار الغزيرة ألتي انهمرت برفقة زينة أدت إلى حدوث سيول جرفت في طريقها الكثير من بيوت الفقراء المنكوبين الهزيلة البناء فضلا عن أنها حولت الطرقات إلى بحيرات من المياه يصعب سلوكها بالمركبات أو سيرا على الأقدام بسبب افتقاد هذه الطرقات لمسارب مياه تحسبا لمثل هذه الكوارث إضافة إلى الثلوج ألتي تراكمت على كافة الاراضي والطرقات التي انقطعت بتراكم هذه الثلوج بحيث عزلت بعض المناطق والقرى والمدن عن بعضها البعض.
أما موجة الصقيع التي ضربت البلاد مع افتقاد وسائل التدفئة فقد دفعت بالكثير من الشعب اللبناني للف أجسادهم بما تيسر لهم من هدوم واسمال بآلية والتلحف بفرش النوم تحت أغطية تقيمه سهام البرد القارص الذي يخرق مسام الجلد. فهذا غيض من فيض من مكارم زينة ومن النعم التي حملتها معها للبنان إلا ان تقصير حكام البلد والمسؤولين فيه باتخاذ الاحتياطات المؤاتية لإستقبال مثل هذه النعم حول زينة إلى نقمة أرخت بالكثير من المآسي والويلات على اللبنانيين....