تكتم كثير من القوى والشخصيات السياسية المسيحية مرارة في متابعة الاحتفالية المضخمة لحوار "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". وللكتمان والمرارة أسبابهما الموجبة والمبررة.
من موجبات الكتمان، ان لا احد يملك جرأة الجهر بموقف يعارض الحوار، اي حوار، فكيف اذا كان بين متخاصمين وصل الى حد "أريق على جوانبه الدم"؟
وفي النسخة الطائفية اللبنانية، كيف يمكن انتقاد حوار بين مسيحيين "أقلويين"، خلافاتهما "التاريخية" لا تعود الى اكثر من 25 سنة في حدها الاقصى، في حين ان المسلمين، وخلافاتهما المتأججة تضرب في التاريخ لاكثر من 1400 سنة، يلتقيان ويتحاوران؟ ويثقل الكتمان من وقعه على الصدور، متى تسرب الخوف من ان يتفق المسلمون على ما يفترض ان للمسيحيين فيه ارجحية مفترضة، اي رئاسة الجمهورية ومعها ومن خلفها مصير لبنان وخياراته؟
اما المرارة فلها ايضا موجباتها المتعددة. يهمس بها سياسيون وحزبيون من خارج التيارين العريضين في الشارع المسيحي. يهمسون، لان للجهر تداعياته التي لا يملكون القدرة على مواجهتها، لضعف لديهم، ولـ "سطوة" لدى التيارين. عن هذه "السطوة" يعلق احد السياسيين قائلاً "على امتداد اكثر من عقد ونصف عقد، كان جزء من شعور المسيحيين بالاحباط والتهميش سببه تغييب قياداتهم اما بالنفي او بالسجن. في تلك المرحلة راجت كثير من القراءات النقدية، وحمّل المغيّبون مسؤوليات، مبالغ فيها احيانا، في الوصول الى ما وصل اليه المسيحيون".
حاول المسيحيون اختراع بدائل بقيت جميعها قاصرة عن الحلول محل المغيّبين. لكن في الوقت نفسه، كان المسيحيون يبحثون عن حالة اخرى. يبحثون ويفكرون ويناقشون في صالونات سياسية ولقاءات "ديرية" وتجمعات "مدنية"، ولا يجيدون سبيلا الى تأطير افكارهم وطموحاتهم. حتى يوم ساندتهم الكنيسة، بشخص بطريركها نصرالله صفير، كانت كأنها تبقي الجذوة مشتعلة في انتظار من يحملها من سياسيين.
عاد الطرفان، اي ميشال عون وسمير جعجع، ولكن بدا في محطات كثيرة، انهما لم ينسيا ولم يتسامحا. انخرط كل منهما في اللعبة السياسية الوطنية، ولكن بقيا في اطار صراعاتهما على الساحة المسيحية وكأنهما لم يغادرا مربعها الخلافي الاول".
توهّم بعض المسيحيين، خصوصا بعد 14 آذار الشهير، ان في اوساطهم حراكا سياسيا يتبلور، فطمحوا الى تكريس مفاهيم جديدة للسياسة بمفهومها العام والوطني. برأي السياسي أن "المسيحيين افترضوا أن أوان التعدد والديموقراطية ومقاربة السياسة من منطلقات حديثة ومفاهيم عصرية، قد آن. لكن ثبت لهم سريعا انها اوهام في لحظة حلم عابرة. المؤسف ان الجميع ساهم في وأد تلك اللحظات. المسيحيون انفسهم اولا، وشاركهم بحرارة المسلمون، ليتأكد ان لا حل لطائفة من دون اخرى، ولا تغيير وتطور او خلاص لجماعة دون سائر الجماعات".
يستفيض السياسي بما راكمه على امتداد عشر سنوات من الخيبة ليخلص الى "المثال الاخير الذي قدمه وكرّسه كل من البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. فالاول حصر التمثيل المسيحي بالقادة الاربعة، ففاوضهم وفوّضهم للتوافق على رئيس للجمهورية، فخذلوه وخذلوا المسيحيين. والرئيس بري اعاد تكريس نفوذ وسطوة وحصرية الطرفين مشترطا مشاركة احدهما في الجلسة الشهيرة للتمديد لمجلس النواب، مؤكدا بذلك ان لهما حصرية التمثيل والتاثير".
ولكن اليس في ذلك بعض من الحقيقة؟ مَن مِن القوى السياسية المسيحية اليوم تملك شعبية وقدرة على الحشد او التأثير والتجييش بقدر "التيار" و "القوات"؟
يجيب السياسي "لا احد ينكر على هذين الحزبين جماهيريتهما او تأثيرهما، لكن لا يمكن ان يختصرا هواجس المسيحيين وطموحاتهم وتطلعاتهم السياسية. ولا يمكن ان تتمحور حياتنا السياسية على لقاء مرتقب بين زعيمين. ماذا اذا لم يتفقا؟ وهما على الارجح لن يفعلا على المواضيع الجوهرية التي ينقسم عليها اللبنانيون، هل تنهار الآمال ونتحضر لموسم احباط جديد؟ هل نعود الى تاريخ الاحقاد ونبش القبور؟".
يختم من دون ان ينتهي الكلام فيقول "الحوار مفيد كما طي الصفحات السوداء بين كل القوى السياسية. اما المبالغة في تحميل الامور والاشخاص فوق ما تحتمل ويحتملون، وتكبير الآمال ووضعها في غير موضعها، فنتائجها ليست فقط مخيبة، انما تنطوي على كم من الخبث والتضليل ومنع اي تطوير للحياة السياسية اللبنانية".