إذا كان حوار «الجنرال» و«الحكيم»، عندما يتمُّ، إذا تمَّ، مطبوعاً بالإيجابيات التي يسكبها الرجلان والإعلام «العوني» و«القواتي»، فإنّ عهداً جديداً يمكن أن يُفتَح لا داخل «البيت المسيحي» فحسب، بل على المستوى الوطني الشامل. فهل يحقّ للناس أن يستبشروا؟
لم يعُد المسيحيون في لبنان يحملون بندقية كما الشيعة، وليسَت لهم ارتباطات إقليمية كما الشيعة والسُنّة. ولم يعُد المسيحيون 60% من الشعب كما كانوا يوم إعلان لبنان الكبير، بل باتت النسبة معكوسة. لكنّهم، وعلى رغم ما فعَله الطائف، ما زالوا في حجم يَسمح لهم بالشراكة الفعلية.وشعور المسيحيين اليوم بأنّ المسلمين قد يتّفقون على رئيس الجمهورية الذي يناسبُهم ليس في محلِّه إطلاقاً. فالمسيحيّون قادرون على إيصال رئيس الجمهورية الذي يريدونه، وفي اللحظة التي يختارونها... شرط أن يتّفقوا على هذا الرئيس، كما يفعل السُنّة والشيعة والدروز عندما يختارون ممثِّليهم في السلطة، فينصاع لهم الآخرون بلا اعتراض، لأنّ التركيبة الطائفية - المذهبية تتيح ذلك.
ويريد عموم المسيحيين أن يستفيدوا من الشَحن العاطفي الذي حلَّ فجأةً محلّ الشحن التحريضي بين عون وجعجع، ليسألوا عمّا يمكن أن يحقّقاه، فعلاً لا قولاً، في حوارهما المنتظر. ويقولون: إذا اتّفَق الرجلان على تسمية رئيس للجمهورية، يتمتّع بالجدارة والمواصفات الأخلاقية، أيّاً يكن، فإنّهما سينالان حتماً بَركة بكركي وسائر القيادات المسيحية الروحية والسياسية.
وعندئذٍ سيخرج قادة المسيحيين من بكركي بإسم الرئيس ويطلبون من الآخرين «رسمياً»، أن يتوجّهوا إلى المجلس لانتخابه هو دون سواه. ولأنّ القوى الشيعية والسُنّية والدرزية كلّها تختار ممثليها، ولأنّها تقول عَلناً: فليتّفق المسيحيون على الرئيس و»نحن نمشي»، فإنّ أحداً لن يجرؤَ على معارضة القرار المسيحي الجامع. وسيجتمع البرلمان وينتخب الرئيس الذي اختارَه المسيحيون.
ويبدو سخيفاً «تبليع» الناس أنّ المعطيات الاستراتيجية الإقليمية الكبرى تعوق إنتخاب رئيس في لبنان، كالحوار الأميركي - الإيراني والملف النووي، ومسار الحرب في سوريا... ومستقبل العراق. فهذه المعطيات لم تمنع الشيعة والسُنّة من تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام، حكومة التوافق المذهبي «العجائبي» في ذروة المجازر المذهبية الإقليمية. وهي لم تقِف عائقاً دون حوار «المستقبل» و»حزب الله»، فيما أحدهما يوجِّه أصابعَ الاتّهام للآخر في لاهاي!
وعندما يجتمع الأقطاب الدوليّون والإقليميون لرسم الخطط والخطوط في الشرق الأوسط، لا يتذكّر أيّ منهم أنّ هناك بلدةً لبنانية إسمها بعبدا، فيها موقع شاغر إسمُه رئيس الجمهورية.
وليس هناك حقدٌ إقليمي ولا دولي من أيّ كان على موقع الرئيس الماروني، خصوصاً بعدما صار منزوعَ الصلاحيات تقريباً! لذلك، إنّ مشكلات المسيحيين يبدأ حلُّها وينتهي عند المسيحيين أنفسِهم. ويمكن التوقّف عند عبارة عميقة قالها جعجع بعد جلسة «اللاإنتخاب الرئاسية» السابعة عشرة: «بعد 30 عاماً من الخصومة السياسية» (وهي لم تكن سياسية فقط، بل عسكرية أحياناً) «يحقّ لنا، «التيار» و»القوات»، أن نعيش يومين مِتل الخَلق».
فتوافُق عون- جعجع لا يقودهما وحدهما إلى «يومين مِتل الخَلق» بعد 30 عاماً، بل يقود المسيحيين في لبنان إلى «يومين متل الخَلق». فالهزائم المسيحية الكبرى، السياسية والعسكرية والديموغرافية، كانت تحديداً في هذه السنوات الـ30. والجميع يتوق اليوم إلى الخروج من عصر الهزائم إلى «يومين مِتل الخَلق».
في الـ 30 عاماً الفائتة، اجتاحت المسيحيين حروبٌ تحت شعارات التحرير والإلغاء، إنتهَت بهزيمة سياسية في الطائف، وبسيطرة السوريّين على بعبدا ووزارة الدفاع والبقعة الوحيدة التي كانت خارج انتشارهم العسكري، أي «المنطقة المسيحية». وبعد ذلك، بدأت مرحلة النفي والاضطهاد المعروفة. ولولا تقاطع المعطيات الدولية والإقليمية في 2005 لرُبّما انتهى الجميع قبل أن تنتهي هذه المرحلة.
لذلك، يقول مرجع روحي مسيحي، في عنق عون وجعجع أن يتحاورا، وألّا يكون الحوار مجرّد لقاء أو لقاءَين لحفظ ماء الوجه، لموازاة الحوار السُنّي- الشيعي. وفي عنقِهما أيضاً أن يعيش المسيحيون «يومين مِتل الخَلق»، وهما قادران على تحقيق ذلك... و»إنّما الأعمال بالنيّات» كما جاء في الحديث، لا بالتصريحات!