شتاءُ طهران البارد هذه الأيام تبدِّده حرارةُ الحراك السياسي الذي تشهده على مستوياتٍ عدة، الى درجة أنّ ما تواجهه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من حصارٍ وعقوبات، ومن (منتعة) غربيّة تعوق إنجاز الاتفاق الشامل على برنامجها النووي، لا يشغلها عن متابعة قضايا العالم الإسلامي المتشعبة والحروب المشتعلة في المنطقة من العراق الى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن وغيره.
وفي هذا الشتاء إستضافت طهران مؤتمر الوحدة الإسلامية الثامن والعشرين الذي دعا اليه مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية تحت عنوان: (الأمة الإسلامية: التحديات والآليات) وشاركت فيه وفود وشخصيات دينية وسياسية من مختلف الدول الإسلامية، وأطلقت خلاله مواقف تشدّد على الوحدة بين المسلمين ومواجهة المنظمات التكفيرية التي أجمع المتكلمون في المؤتمر على التنديد بها في اعتبارها تشوّه صورة الدين الإسلامي دين الرحمة والسماحة.روحاني
وقد رسم الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني في كلمة له في افتتاح المؤتمر ما يشبه خريطة طريق لتوحيد الصف الإسلامي في مواجهة ما يعترضه من أخطار وتحدّيات، فقال: (إذا أردنا تحقيق الوحدة في العالم الإسلامي علينا تبيان التهديدات المشترَكة التي تواجه بعضنا البعض واعتبار أنها تهديدات تواجه الجميع). ورأى انه يجب القضاء على التعارض في المصالح إذا أُريد تحقيق الوحدة في العالم الإسلامي.
وأضاف: (إذا أردنا تحقيق الوحدة بين الجميع ينبغي أن نعترف رسمياً بالمذاهب الإسلامية كفروعٍ وشُعَب لهذا الدين الحنيف. ومن أجل مصالحنا ومصالح العالم الإسلامي يجب أن نكون متحدين ونبتعد عن الخلاف والفرقة).
وندّد روحاني بممارسات المجموعات الإرهابية في العالم الإسلامي وقال: (إنّ هؤلاء يقطعون الرؤوس ويدمّرون المساجد والكنائس باسم الإسلام والجهاد). ولا حظ أنّ العالم الإسلامي شهد خلال العام الماضي صراعاتٍ وتأجيجَ حروب وارتكابَ مجازر بشكل لا يُصدق.
واعتبر أنّ الوحدة في البلدان الإسلامية لا تتحقق بالكلمات والشعارات فقط، وأنّ مؤتمرات الوحدة الإسلامية يمكنها أن تشكّل نقطة البداية لمسارِ الوحدة والتلاحم الصعب حيث لا تستطيع وحدها تحويلَ الفرقة التي يعاني منها العالم الإسلامي الى الوحدة، وقال: «إنّ الوحدة بحاجة الى سعة الصدر والأُفق والتعرّف على بعضنا البعض والمداراة، لو أنّ نظرتنا الى المذاهب الاسلامية بطرقها المتعدِّدة تكون في إطار الاتجاه لتحقيق هدف واحد فإنّ الوحدة ستتحقق ولكن لو أنّ نظرتنا الى المذاهب تكون في اتجاه معاكس يبعد عن تحقيق الأهداف فإنّ الوحدة لن تتحقق».
ولفت الى أنّ الوحدة لن تتحقق بترديد الكلمة والنطق بها فقط ولكن بالإعتصام بحبل الله تعالى وعلى الجميع الاستفادة من آليات تحقق المسار الوحدوي، ولو أنّ قناة تلفازية أو إذاعة ما تؤجِّج الخلافات مع المذاهب الأخرى باسم الدفاع عن الشيعة أو السنّة فعلى الجميع التصدي لها وإدانتها بصوتٍ واحد.
وقال: «إنّ خطة بلوغ الوحدة ينبغي البدء بها من المرحلة الدراسية الابتدائية وعلى الجميع الاعتراف بكتب هذه المرحلة وكذلك الاعتراف بالمذاهب الإسلامية باعتبارها فروعَ هذا الدين وشُعَبه»، وأضاف: أنّ خطة الوحدة تقتضي أيضاً العمل بها في الجامعات والحوزات العلمية والمدارس الدينية والاعتراف بها رسمياً.
وإنّ الوحدة لاتعني تخلّي أحد عن نهجه بل تعني التحلّي بسعة الصدر والمداراة والشهامة، وشدّد على (ضرورة أن يلتزم قادةُ البلدان الإسلامية وسياسيوها بهذا الواقع في القول والفعل).
وتساءل عما إذا كان ممكناً أن يتحرّك العالم الإسلامي في اتجاه الوحدة إلّا أنّ قادته وسياسييه يعارضون الواقع لذلك ينبغي القضاء على أيّ تعارض في المصالح بين المسلمين إذا أُريد للوحدة التحقق، وقال: «من أجل مصالحنا ومصالح العالم الإسلامي يجب أن نكون متحِدين ونبتعد عن الخلافات والفرقة»، وأضاف: الاستعمار اليوم يريد الإساءة للإسلام عبر إيجاد الفرقة والهيمنة على أراضي المسلمين وثرواتهم.
وشدّد على ضرورة التصدي للعنف والتطرف، وقال: «الإسلام ليس دين العنف أو التطرّف وانما دين السماحة، وهذا ما يفرض علينا الوقوف في وجه التطرّف والعنف».
ورأى أنّ من مصلحة الجميع القبول بالوحدة والاتحاد، وقال: «تعالوا لنحيي نهج شلتوت ومحمد عبده والبروجردي والإمام الخميني وننبذ العملاء الذين يسيئون للرسول (ص) باسم الإسلام».
وانتقد روحاني صمتَ العالم الإسلامي حيال قصف فلسطين وتعرّض سوريا ولبنان للحرب والدمار والهجوم الوحشي على العراق، وأضاف: معالم الحضارة الإسلامية تتعرّض اليومَ للدمار والبعض يسكت حيال هذا الأمر، هذا بمنأى عن أنّ البعض يمدّ القتلة والإرهابيين بالمال والسلاح، ولكن هل يمكن أن نقبل بأن تتعرّض فلسطين لسنواتٍ مديدة للقصف الوحشي الصهيوني؟
وهل يمكن أن يقبل العالم الاسلامي بأن يتعرّض شعب للتهجير القسري على مدى 66 عاماً أو يتعرض لبنان وسوريا للقتل والدمار؟ كلّ المسلمين بكلّ مذاهبهم شركاء في الحكم، وإذا أردنا الوحدة فعلينا أن ندين مَن أراد أن يفرِّقنا، فالوحدة لا تأتي عبر الكلام وإنما بتوظيف آليات تحقيقها.
وختم روحاني: أنّ جمهورية إيران الاسلامية باعتبارها قوة فاعلة على صعيد العالم الإسلامي تدعم كلّ الشعوب التي تكافح الإرهاب والعنف والتطرّف، وأكد: أنّ هذا الشعب سواء كان في الموصل بالعراق أو أفغانستان أو باكستان، فإنّ إيران ترى مِن واجبها الوقوف الى جانب المسلمين الذين يناضلون من أجل تحرير أراضيهم ودعمهم في مواجهة المحتلّين والغاصبين.
وبدوره الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الشيخ محسن أراكي، أكد أنّ «العالم الإسلامي يمرّ اليوم في ظروف استثنائية وصعبة»، موضحاً أنه بعد حدوث الصحوة الإسلامية عمد الخبثاء والمنحرفون الذين تدعمهم القوى الكبرى للتآمر على إنتفاضة المجتمعات الإسلامية التي كانت تريد تجديد الحياة فيها وفقاً لتعاليم النبي (ص)، الأمر الذي لم يَرِق لهؤلاء.
وشدّد على أنه (في ظل هذه الظروف ستكون مهمة العلماء والسياسيين والمثقفين والفنانين ثقيلة جداً ونتأمل من هذا المؤتمر وبتوفيق من الله أن يحقق الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية).
قاسم
من جهته أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أنّ دعم المقاومة واستقلال الشعوب يشكلان عاملاً للوحدة الإسلامية وقال: «إنّ أحد التحديات أمام الوحدة الإسلامية هو الترويج للخلفية المذهبية عند كلّ خلاف سياسي».
وحذّر من أنّ الغلاة من كلّ الأطراف والمذاهب لا يرتاحون إذا وجدوا وحدة بين المسلمين؛ لافتاً إلى أنّ الخلاف المذهبي مطروحٌ عند الغلاة والحكام المستبدّين. وأوضح أنّ الحكام المستبدّين لا ينطلقون من منطلق مذهبي وأكثرهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام.
وتطرّق قاسم الى الوضع في لبنان، فقال: «لقد وصلنا إلى درجة من التماسك الداخلي في لبنان؛ وأَدرك الجميع ضرورة الحوار الداخلي وإنهاء العنوان المذهبي». وأكد أنّ حزب الله يواجه كيانَ الاحتلال الإسرائيلي والتيارَ التكفيري والتبعيةَ الأميركية التي تحاول السيطرة على المنطقة. مضيفاً: «حزب الله أثبت أنّ الكيان الإسرائيلي لا يفهم إلّا لغة القوّة والاحتلال وخرج من لبنان ذليلاً».
حسون
وتحدّث مفتي سوريا العام الشيخ احمد بدر الدين حسون، فشّدد على ضرورة خروج المسلمين من آفاق التفرقة الى آفاق الوحدة حاملاً بشدّة على (الخلافة الإسلامية) التي تنادي بها المنظمات التكفيرية، فأشار الى أنّ الخلافة لا تكون إلّا بوجود إمام يوجّه وخليفة ينفّذ، مثلما كان الأمر أيام الإمام علي بن أبي طالب وخلافة الصحابيين أبوبكر وعمر بن خطاب، حيث كان الأخير يردّد (لولا علي لهلك عمر). وقال: «إنّ سرّ نجاح إيران يكمن في وجود إمامٍ يوجّه ورئيسٍ ينفِّذ».
وأشار حسون الى أنّ إستهداف سوريا ولبنان والعراق مقصودٌ تماماً لمحاصرة إيران الإسلامية، مشيداً بوقوف طهران الى جانب المقاومة في غزة ولبنان، وقال: «شعرنا بالانتصار على (إسرائيل) ومَن وراءها بفضل هذا الدعم».
خطباء
وتعاقب على الكلام في افتتاح المؤتمر رئيسُ هيئة علماء جبل عامل الشيخ عفيف النابلسي الذي قال: «إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى دوماً لتقليص الخلافات الإسلامية - الإسلامية، فيما دولٌ إسلامية أخرى تعمل على تأجيجها، وإنها تعمل على تدعيم أسس وقواعد الوحدة، بينما دولٌ إسلامية أخرى تعمل على ضربها»، وأضاف: أنّ إيران تؤكد على القضية الفلسطينية كقضية أساسية ومركزية، فيما دولٌ إسلامية أخرى صرفت النظر عنها.
كذلك تحدّث وزير الأوقاف الأردني هايل عبد الحفيظ فقال: «إنّ التعصب الطائفي بات يضرب المنطقة بصورة غير مسبوقة مصحوباً بالحقد والكره والتكفير». وأضاف: نمرّ بمرحلة خطيرة وأوضاع صعبة بفعل الفكر المتطرف المشحون بالحقد والعداء. ولفت إلى أنّ الفكر المتطرّف يستبيح الدماء؛ مؤكداً أنه وللمرة الاولى تأتي أولوية قتل المسلم للمسلم وذلك على يد الفكر المتطرّف.
وأشار قائد قوّات الحشد الشعبي في العراق هادي العامري الى الممارسات الارهابية التي ترتكبها عصابة داعش الاجرامية ضدّ الشعبَين المسلمَين السوري والعراقي. وأكد أنّ هذه العصابة إنما هي صنيعة أميركا والغرب والهدف هو تقسيم العراق وسوريا. وأكد الشيخ بشير النجفي أنّ حمَلةَ الكفر يحرّضون المنافقين ضدّ الإسلام؛ داعياً الى التكاتف والاتفاق لتخليص الأمة الإسلامية من المفاسد.
ومن جهته أكد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد عمار الحكيم أنْ لا قوّة بلا وحدة ولا مواجهة لتحدّيات اليوم إلّا بتظافر الجهود. وقال: «إنّ علينا الانتقال بالوحدة من الشعار الى استشعار حقيقي وإنّ الفكر المتشدّد يشكّل تحدّياً كبيراً للمسلمين باستهدافه الجميع».
واضاف: علينا بناء الشخصية المسلمة بشكل صحيح، وهذا الأمر رهن بإصلاح الخلافات والتكامل بمشاريع الوحدة فكراً وتطبيقاً، وأضاف: الإرهاب الداعشي جاء مستهدِفاً أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لكنه لم يستثنِ أحداَ وخير دليل على ذلك أنّ سوريا تعاني منذ سنوات من الإرهاب.