جميل، بل مطلوب ان يتحلى احدنا بقيم إنسانية رفيعة، وان يتمتع بمواصفات راقية تحمله للصعود التدريجي على سلم الكمال الإنساني من اجل الوصول الى مراحل متقدمة في الحس البشري المتجرد، الا ان هذا لا يعني البتة ان أي منظومة للقيم هي تتمتع بالحسن والقبح الذاتيين، بل هي محكومة حتما للظروف الموضوعية، كما وان للزمان والمكان مدخلية في حُسنها او قبحها،
فالكرم مثلا هو من الصفات المحمودة لكنه قد يتحول الى تبذير او حتى حماقة مع عدم المقدرة، وكذلك هي الشجاعة او الصدق وغيرها من الاخلاقيات الإنسانية، وهذا ينسحب بشكل عكسي أيضا فقد يكون الجبن هوالعمل الصالح وحتى البخل او الكذب هما المقدمان في زمان ومكان محددين
وحتى لا نغرق في الفلسفة والتفلسف، فان " العنصرية " تندرج أيضا بنفس هذا السياق الطبيعي الذي لا جدال فيه، فهي وان كانت مزمومة من حيث المبدأ الا انها قد تكون مطلوبة، واكثر من ذلك فقد يكون التحلي بها يشكل ضرورة وطنية، والتخلي عنها او على الأقل التخلي عن بعضها هو الاتهام الحقيقي الذي قد يؤدي الى هلاك الوطن، وقد تندرج ساعتئذ في خانة الخيانة الوطنية،
وهذا بالظبط ما حدث مع اللبنانيين عندما حملوا على اكتافهم شعارات الثورة الفلسطينية وسمحوا للفلسطينيين ان يتصرفوا ببلدهم وعلى ارضهم بما يشاؤون على حساب كيانهم ومصالحهم الوطنية العليا فما كانت المحصلة الا دمار لبنان ودمار القضية الفلسطينية،
ولو اننا تمتعنا حينها بالقليل من العنصرية اللبنانية لما وصلنا الى ما وصلنا اليه ولوفرنا على انفسنا وعلى الفلسطينيين الكثير الكثير من الدم ومن المعاناة
وها نحن نكررالان نفس التجربة مع الاخوة اللاجئين السوريين، فما ان يطل احدنا بقلل من النقد والانتقاد لسلوكيات بعضهم او لممارسات تتخطى حدود المصلحة الوطنية حتى ينبري كثيرون لرميه والتهجم عليه بأقذع الصفات ليس اقلها التهمة الجاهزة سلفا وهي " العنصرية "، وكأنه مكتوب علينا نحن اللبنانيون ان نكون دائما ضحايا القضايا العادلة، وان يدفع وطننا ثمن احتضانه لمعاناة إخواننا من سوريين وفلسطينيين خوفا من تهمة " العنصرية "
يجب وضع حد نهائي لهذه المعزوفة الرتيبة والسمجة، فانا وان كنت مع الثورة السورية، ومع اسقاط نظام البعث القمعي ومع رفع المعاناة عن الشعب السوري الحبيب، ولكني أولا وأخيرا وقبل كل هذا فانا مع السنكري اللبناني ومع الشوفير اللبناني ومع صاحب المطعم اللبناني ومع التاجر اللبناني،
واذا ما تعارض موقفي المبدئي بدعم الثورة السورية مع أي من مصلحة لبنانية ولوكانت على المستوى الفردي فانا حتما اتخلى عن موقفي الأول لحساب الثاني وبلا تردد، ويتحمل مسؤولية هذا التحول بالموقف عندئذ هو الأداء الخاطئ للاخوة اللاجئين وليس انا، وبالتالي فعليهم هم ان يوازنوا بين مقبولية تواجدهم على الأرض اللبنانية واحتضان اللبنانيين لهم وبين عدم الاضرار بأي من مصالح اللبنانيين، وهذا ما لا نتلمس منهم بكل اسف
وعليه فان كان حماية لبنان ومستقبله يتتطلب شيء من العنصرية اللبنانية في وجه الاخوة السوريين، نعم فانا عنصري، لان العنصرية ها هنا يا عزيزي هي عين الوطنية المطلوبة .