قديما في غور التاريخ ، في زمن الجهل والتبعية ومرحلة ما قبل القبيلة والعشيرة، حيث لا وجود للاوطان ولا للدساتير والقوانين، وحيث القوة الجسدية والاقتصادية كانت وحدها الكفيلة في إضفاء الشرعية على من يسود بالغلبة والقوة، او بالخديعة والتسلط ، وكان الناس يسلّمون تسليما للملك المفدى او للمتزعم الجبار ويضفون على جبروته صفات الالوهية والقداسة ،
ولأن الملك هو من صنف الالهة او على اقل تقدير هو نصف إله فهذا يعني بانه يتمتع بمواصفات ومميزات هي حتما غير متوفرة عند باقي البشر، فهو القوي القدير الرزاق الجبار المنتقم العليم الحكيم وغيرها من الصفات التي يحتاجها البشر في حياتهم، ولا يمكن تصور وجود حياة على الأرض من دونها
ومن هنا ولدت الفكرة "العبقرية" ومن اجل ضمان استمرار بقاء هذه المميزات الاستثنائية كان لا بد من انتقالها تلقائيا وبالوراثة، لما لا، اليس ابن الاله هو اله أيضا؟ وبالتالي فلا ضرر ولا هي كارثة ان تعرض الاله الاب الى الفناء او الموت طالما انه منّ على اتباعه ومريديه والمؤمنين به بولد من صلبه يحمل حتما نفس الجينات المقدسة فكانت المقولة المشهورة زمانئذ : مات الملك عاش الملك ، وبهذه البساطة تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى، وغالبا ما تكون على نفس المنوال فتعود العبيد الى اعمالها في اليوم التالي لخدمة ملكهم الجديد
وفي ذلك الزمان الغابر ما كان الناس بملومين ولا هم متهمون بعقولهم وتخلفهم، وكان مبررلهم ما هم عليه، فهذا جلّ ما اتفقت عليه تجربتهم البسيطة، وما قدمته اليهم الحياة من وسائل معرفية شبه معدومة
اما ان تكون هذه الاساطير وهذا التخلف لا يزال حي يرزق في أيامنا هذه وفي عصرنا هذا، فتلك مصيبة لا يمكن ان تساويها مصيبة أخرى، وفي بلد كلبنان يدعي اللبناني متشاوفا انه على مستوى متقدم من المعرفة والحداثة والتطور والتقدم، ويدعي زورا انه متمايزا عن كثير من المجتمعات المحيطة به، مطلقا ابشع صفات التخلف عليها وبأنها مجتمعات المماليك الوراثية او الامارات البدوية او حتى على دول الحزب الواحد والقائد التاريخي وفي نفس الوقت نراه منغمسا حتى رأسه بتقاليد ما قبل التاريخ ولا يزال يرضى ان يعيش ويسيّر حياته السياسية بعقلية تلك العصورالغابرة، وهذا ليس اتهاما او افتراءا ، فمجرد نظرة سريعة على كل الطبقة السياسية الموجودة والمتحكمة بمقدرات البلد فنرى اننا في مرحلة الأبناء الورثة، واننا لسنا باكثر من عبيد محكومون للحيوانات المنوية
وقد سمعنا في طرابلس هذه الأيام بعد رحيل الرئيس عمر كرامي( رحمه الله ) نفس تلك المقولة العتيقة : مات عمر عاش فيصل .